فإذا أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها بعد شهر آخر ثم بعد شهر آخر وعدتها ثلاثة أشهر من التطليقة الأولى وذلك يتلى في القرآن قال الله تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } والمراد الصغيرة ولا خلاف أن الإيقاع إذا كان في أول الشهر تعتبر الشهور بالأهلة ناقصة أو كاملة فإن كان الإيقاع في وسط الشهر ففي حق تفريق الطلاق يعتبر كل شهر بالأيام وذلك ثلاثون يوما بالاتفاق .
وكذلك في حق انقضاء العدة عند تعتبر ثلاثة أشهر بالأيام وعندهما يعتبر شهر واحد بالأيام وشهران بالأهلة لأن الأهلة هي الأصل قال الله تعالى { أبي حنيفة يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس } والأيام بدل عنها ففي الشهر الواحد تعذر اعتبار ما هو الأصل فاعتبر البدل ، وفي الشهرين لم يتعذر اعتبار ما هو الأصل ولكن يقول ما لم يتم الشهر الأول لا يدخل الشهر الثاني فدخول الشهر الثاني وسط الشهر الثاني أيضا وكذلك في الشهر الثالث فيتعذر اعتبار الكل بالأهلة فوجب اعتبارها بالأيام ولا يحكم بانقضاء عدتها إلا بتمام تسعين يوما من حين طلقها . أبو حنيفة
وقد ظن بعض مشايخنا أن الشهر في حق التي لا تحيض بمنزلة الحيض والطهر في حق التي تحيض وليس كذلك بل الشهر في حقها بمنزلة الحيض في حق التي تحيض حتى يتقدر به الاستبراء ويفصل به بين طلاقي السنة وهذا لأن المعتبر في حق ذوات القرء الحيض ولكن لا يتصور الحيض إلا بتخلل الطهر ، وفي [ ص: 13 ] الشهور ينعدم هذا المعنى فكان الشهر قائما مقام ما هو المعتبر ، وإذا طلقها واحدة أو ثنتين فهو يملك الرجعة ما لم تنقض العدة وهذا حكم ثبت بخلاف القياس بالنص فإن إزالة الملك بالطلاق إسقاط والإسقاط يتم بنفسه كالعتق ولكن الشرع أثبت للزوج حق الرجعة في العدة بعد التطليقة والتطليقتين للتدارك عند الندم قال الله تعالى { ، وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } معناه قرب انقضاء عدتهن فأمسكوهن بالمراجعة وقال الله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف } والمراد بالإمساك ما دامت في العدة ثبت ذلك بقوله تعالى { المراجعة بعد التطليقتين وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } وعدة التي تحيض ثلاث حيض كما قال الله تعالى في كتابه { ثلاثة قروء } ، وهو حكم مقطوع به ثابت بالنص ثم عطف عليه ما هو مجتهد فيه فقال القرء هي الحيض وهذا عندنا وعند رحمه الله تعالى هي الأطهار حتى أن على مذهبه كما طعنت في الحيضة الثالثة يحكم بانقضاء عدتها وعندنا ما لم تطهر من الحيضة الثالثة لا يحكم بانقضاء العدة . وأصل الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم فقد روى الشافعي الشعبي رضي الله عنه عن بضعة عشر من الصحابة الحبر فالحبر منهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبو الدرداء وعبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهم قال الزوج أحق برجعتها ما لم تحل لها الصلاة وعن وعبد الله بن قيس ابن عمر وعائشة رضي الله تعالى عنهم قالوا الأقراء الأطهار وعن وزيد بن ثابت كما طعنت في الحيضة الثالثة تبين من زوجها ولا يحل لها أن تتزوج حتى تطهر . وكذلك أهل اللغة يطلقون اسم القرء على الطهر والحيض جميعا قال القائل . ابن عباس
يا رب ذي ضغن وضب فارض له قروء كقروء الحائض
وقال الأعشىمورثة مال وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا
إذا هبت لقارئها الرياح
فمنهم من يقول وقت الطهر به أشبه لأنه عبارة عن الاجتماع يقال ما قرأت النافة سلا قط أي ما جمعت في رحمها ولدا قط واجتماع الدم في الرحم في حالة الطهر ومنهم من يقول وقت الحيض به أشبه لأن هذا الوصف عارض للنساء فوقت الطهر أصل ووقت الحيض عارض مع أن اجتماع الدم في حالة الطهر لا يعلم حقيقة ولو ثبت ذلك [ ص: 14 ] فإنما يسمى ذلك الوقت قرءا باعتبار الدم المجتمع ثم إن عند اختلاف أهل اللغة يجب المصير إلى لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الصحابة رضوان الله عليهم لما اختلفوا في التابوت والتابوه رجحوا لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا اكتبوا بالتاء والقرء في لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيض { إذا أتاك قرؤك فدعي الصلاة لفاطمة بنت قيس } وقال صلى الله عليه وسلم { قال صلى الله عليه وسلم } والقرء والأقراء كلاهما جمع كما يقال فلس وفلوس ونزل وأنزال ثم المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها رحمه الله تعالى رجح الأطهار باعتبار حرف الهاء المذكور في قوله ثلاثة قروء فقال جمع المذكر يؤنث والطهر هو المذكر ولكنا نقول الإعراب يتبع اللفظ دون المعنى يقال ثلاثة أفراس وثلاث دواب وقال أيضا القرء عبارة عن الانتقال يقال قرأ النجم إذا انتقل وكما طعنت في الحيضة الثالثة فقد وجد ثلاث انتقالات من الطهر ولكن هذا لا معنى له فالانتقال من الحيض إلى الطهر أيضا قرء فكان ينبغي على هذا أن تنقضي العدة إذا طعنت في الحيضة الثالثة وأحد لم يقل بهذا . ولكن الصحيح ما قاله علماؤنا رحمهم الله تعالى أن الله تعالى لما ذكر جمعا مقرونا بالعدد اقتضى الكوامل منه والطلاق هو المباح في حالة الطهر فلو جعلنا القرء الأطهار لكان انقضاء العدة بقرأين وبعض الثالث وهذا يستقيم في جمع غير مقرون بالعدد لقوله تعالى { الشافعي الحج أشهر معلومات } فأما في جمع مقرون بالعدد فلا بد من الكوامل وإنما يحصل ذلك إذا حمل القرء على الحيض فيكون انقضاء العدة بثلاثحيض كوامل .
واستدل رحمه الله تعالى بقوله تعالى { الشافعي فطلقوهن لعدتهن } معناه في عدتهن والطلاق المباح في حالة الطهر فعرفنا أن العدة بالطهر وقد فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله رضي الله عنه { لابن عمر } واستدل علماؤنا بقوله تعالى { إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل قرء تطليقة فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } قال رضي الله تعالى عنه من الحيض والحبل فهو ابن عباس قال الله تعالى { بيان المراد بالقروء واللائي يئسن من المحيض من نسائكم } الآية وإنما نقل إلى الأشهر عند عدم الحيض والنقل إلى البدل يكون عند عدم الأصل فهو تنصيص على أن المراد بالقرء الحيض وقوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } أي قبل عدتهن كما يقال زينت الدار لقدوم الحاج وتوضأت للصلاة أي قبلها ، وفي قراءة رضي الله تعالى عنه لقبل عدتهن مع أن المراد عدة الإيقاع ونحن نقول إن عدة الإيقاع [ ص: 15 ] بالأطهار . ابن مسعود
فأما عدة الاعتداد بالحيض بيانه في حديث رضي الله تعالى عنها عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { وابن عمر } ومن حيث المعنى هو يقول الطلاق السني يستعقب جزءا محسوبا من العدة كما في الآيسة والصغيرة وإنما يكون ذلك إذا كان الاعتداد بالأطهار ونحن نقول المقصود من هذه العدة تبين فراغ الرحم ولهذا لا تجب إلا عند توهم اشتغال الرحم ولهذا يعتبر بوضع الحمل إذا كانت حاملا والحيض ; هي التي تدل على تبين فراغ الرحم دون الطهر فكان الاعتبار بالحيض أولى ثم الأصل في العبادات التي تشتمل على أركان ينفصل بعضها عن بعض أن الأداء لا يتصل بالشروع فيها كما في الحج . طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان
وفيما يكون متصل الأركان يتصل الأداء بالشروع كالصلاة والعدة بالأشهر متصلة الأركان فيتصل الأداء بالشروع فيها والعدة بالأقراء منفصلة الأركان بعضها عن بعض فلا يجب أن يتصل الأداء بالشروع فيها والدليل على ما قلنا الاستبراء فإنه معتبر بالحيض بالنص والمقصود تبين فراغ الرحم فكذلك العدة .