فإن وضعها في بيته أو صندوقه ، فهلكت : لم يضمنه ; لحديث عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : { عمرو بن شعيب : فلا ضمان عليه . أودع وديعة فهلكت } ولحديث من عن ابن الزبير رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : { جابر } فالمراد بالمغل : الخائن . قال - صلى الله عليه وسلم - { ليس على المستعير غير المغل ضمان ، ولا على المودع غير المغل ضمان . } . والإغلال : الخيانة ، والإسلال : السرقة . وقد قيل : المغل المنتفع ، من قولهم : أرض مغل ، أي كثير الريع والغلة ، فعلى هذا : المراد : المنتفع بغير إذن صاحبه . وقال : لا إغلال ولا إسلال في الإسلام : العارية كالوديعة ، لا يضمنها صاحبها إلا بالتعدي . وقال عمر : لا ضمان على راع ، ولا على مؤتمن . والمعنى فيه : أن المودع متبرع في حفظها لصاحبها ، والتبرع لا يوجب ضمانا على المتبرع للمتبرع عليه ، فكان هلاكها في يده كهلاكها في يد صاحبها ، وهو معنى قول الفقهاء - رحمهم الله تعالى - : يد المودع كيد المودع . ويستوي إن هلك بما يمكن التحرز عنه ، أو بما لا يمكن ; لأن الهلاك بما يمكن التحرز عنه بمعنى العيب في الحفظ ، ولكن صفة السلامة عن العيب إنما تصير مستحقا في المعاوضة - دون التبرع - والمودع متبرع ، فإن علي - فلا ضمان عليه إذا هلكت - استحسانا - وفي القياس : هو ضامن ; لأنه استحفظ - من استحفظ - منه ، ويؤيد وجه القياس - قوله تعالى - { دفعها إلى بعض من في عياله - من زوجته أو ولده أو والديه أو أجيره : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } . [ ص: 110 ] والمراد : النساء ، فإن كان هو منهيا عن دفع مال نفسه إلى امرأته ، فما ظنك في مال غيره ؟ . وجه الاستحسان : أن المطلوب منه : حفظ الوديعة على الوجه الذي يحفظ مال نفسه ، والإنسان يحفظ مال نفسه بيد من في عياله ، على ما قيل : قوام العالم بشيئين : كاسب يجمع ، وساكنة تحفظ ، ولأنه لا يجد بدا من هذا ، فإنه إذا خرج من داره - في حاجته - لا يمكنه أن يجعل الوديعة مع نفسه ، وإذا خلفها في داره صارت في يد امرأته حكما ، وما لا يمكن الامتناع عنه عفو . وذكر في جملة من في عياله : الأجير ، والمراد : التلميذ الخاص الذي استأجره مشاهرة ، أو مسانهة ، فأما الأجير بعمل من الأعمال - كسائر الأجانب - يضمن الوديعة بالدفع إليه .