قال ( وإذا فذلك جائز ) ; لأنها صدقة واحدة يقبضها وال واحد فلا يضرهم على أي الوجوه فرقوا غلتها ومعنى هذا أن تمام الصدقة بالقبض . كانت الأرض لرجل ، أو رجلين فتصدقا بها صدقة موقوفة وسلماها إلى رجل واحد وجعل أحدهما نصيبه موقوفا على ولده وولد ولده أبدا ما تناسلوا . فإذا انقرضوا كانت غلتها للمساكين وجعل الآخر نصيبه وقفا على إخوته وأهل بيته . فإذا انقرضوا كانت غلته في الحج يحج بها في كل سنة ، أو كان المتصدق واحدا فجعل نصف الأرض مشاعا على الأمر الأول ونصفها على الأمر الآخر
وإذا كان الوالي واحدا فهو يقبض الكل جملة فتتم الصدقة بالكل بقبضه ، ثم بتفرق جهات الصدقة لا تتفرق الصدقة ألا ترى أن المتصدق لو [ ص: 41 ] كان واحدا وفرق الغلة سهاما بعضها في الحج وبعضها في الغزو وبعضها في أهل بيته وبعضها في المساكين كان ذلك صدقة جائزة . فكذلك إذا كان المتصدق اثنين وعين كل واحد منهما لنصيبه مصرفا ، وهذا كله قول . فأما عند محمد الصدقة الموقوفة في جميع هذه الوجوه جائزة ; لأنه يجوزها غير مقبوضة . فكذلك غير مقسومة ، فالحاصل أن أبي يوسف يوسع في أمر الصدقة الموقوفة في قوله الآخر غاية التوسع . أبا يوسف
وفي قوله الأول ضيق فيها غاية التضييق كما هو قول رضي الله تعالى عنه فقال لا تلزم في الحياة أصلا وتوسط قول أبي حنيفة رحمه الله في ذلك ; ولهذا أفتى عامة المشايخ رحمهم الله فيها بقول محمد رحمه الله ومما توسع فيه محمد رحمه الله أنه لا يشترط التأبيد فيها حتى لو وقفها على جهة يتوهم انقطاعها يصح عنده ، وإن لم يجعل آخرها للمساكين أبو يوسف رحمه الله يشترط التأبيد فيها فقال إذا كانت الجهة بحيث يتوهم انقطاعها لا تصح الصدقة إذا لم يجعل آخرها للمساكين ; لأن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك ، وذلك يتأبد كالعتق . ومحمد
وإذا كانت الجهة يتوهم انقطاعها فلم يتوفر على العقد موجبه والتوقيت في هذا العقد كالتوقيت في البيع فكان مبطلا رحمه الله يقول المقصود هو التقرب إلى الله تعالى والتقرب تارة يكون في الصرف إلى جهة يتوهم انقطاعها وتارة بالصرف إلى جهة لا يتوهم انقطاعها لا تصح الصدقة لتحصيل مقصود الواقف ، ومن ذلك أنه لو جعل مصرف الغلة لنفسه ما دام حيا فذلك جائز عند وأبو يوسف أيضا اعتبارا للابتداء بالانتهاء ; لأنه يجوز الوقف على جهة يتوهم انقطاعها . أبي يوسف
وإذا انقطعت عادت الغلة إليه في الانتهاء فكما يجوز ذلك في الانتهاء . فكذلك في الابتداء لجواز أن يقدم نفسه على غيره في الغلة ، وهذا ; لأن معنى التقرب لا ينعدم بهذا قال عليه الصلاة والسلام { } . وقال عليه الصلاة والسلام { نفقة الرجل على نفسه صدقة } . فأما عند ابدأ بنفسك ، ثم بمن تعول رحمه الله إذا جعله وقفا على نفسه ، أو جعل شيئا من الغلة لنفسه ما دام حيا فالوقف باطل وهو مذهب أهل محمد البصرة رحمهم الله ; لأن التقرب بإزالة الملك واشتراط الغلة ، أو بعضها لنفسه يمنع زوال ملكه فلا يكون ذلك صحيحا . وكذلك لو شرط الغلة لإمائه فهو كاشتراطه لنفسه ، ولكن ذكر أنه إذا اشترط الغلة لأمهات أولاده فذلك جائز ، وهذا على أصل محمد غير مشكل وعلى قول أبي يوسف رحمه الله هو مستحسن على ما نبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى . محمد
ومن ذلك أنه إذا شرط في الوقف أن يستبدل به أرضا أخرى إذا شاء ذلك فهو جائز عند رحمه الله ، وعند أبي يوسف وهو قول [ ص: 42 ] أهل محمد البصرة رحمهم الله الوقف جائز والشرط باطل ; لأن هذا الشرط لا يؤثر في المنع من زواله والوقف يتم بذلك ، ولا ينعدم به معنى التأبيد في أصل الوقف فيتم الوقف بشروطه ويبقى الاستبدال شرطا فاسدا فيكون باطلا في نفسه كالمسجد إذا شرط الاستبدال به ، أو شرط أن يصلي فيه قوم دون قوم فالشرط باطل واتخاذ المسجد صحيح فهذا مثله .