قال : ( وكذلك لو فهذه عبارات عن تمليك العين بطريق التبرع ; وذلك يكون هبة ) ، وكذلك لو قال نحلتك هذا الثوب ، أو أعطيتك هذا الثوب عطية فإن هذا اللفظ لتمليك العين ، بدليل قوله تعالى : { قال قد كسوتك هذا الثوب أو كسوتهم } فالكفارة لا تتأدى إلا بتمليك الثوب من المسكين . ويقال في العرف : كسا الأمير فلانا أي : ملكه . وإن : كانت عارية لأن الحمل على الدابة إركاب ، وهو تصرف في منافعها لا في عينها فتكون عارية إلا أن يقول صاحب الدابة : أردت الهبة لأن هذا اللفظ قد يذكر للتمليك . يقال : حمل الأمير فلانا على فرسه ، أي : ملكه ، فإذا نوى ما يحتمله لفظه ، وفيه تشديد عليه عملت نيته ، وكذلك لو قال : حملتك على هذه الدابة فهي عارية لأن معناه مكنتك من أن تستخدمها وذلك تصرف في منافعها لا في عينها . وإن قال : قد منحتك هذه الجارية ، أو هذه الأرض فهي عارية لأن المنحة بدل المنفعة بغير بدل قال صلى الله عليه وسلم : { قال : قد أخدمتك هذه الجارية } . فيكون معنى كلامه : جعلت لك منفعة هذه العين وهو نفس العارية . فإن المنحة مردودة والعارية مؤداة ; فإنما أطعمه غلتها . والرقبى لصاحبها ; لأن عينها لا تطعم ، فمعناه : أطعمتك ما يحصل منها فيكون تمليكا لمنفعة الأرض - دون عينها - وله أن يأخذها متى شاء . يعني : إذا كانت فارغة . قال : قد أطعمتك هذه الأرض
فأما بعد الزراعة : إذا أراد أن يستردها ، فإن رضي المستعير بأن يقلع زرعها ويردها : فله ذلك ، وإن أبى تركت في يده بأجرة مثلها إلى وقت إدراك الغلة ; لأنه محق في زراعتهما غير متعد . فلا بد من مراعاة حقه بخلاف الغاصب وإنما يعتدل النظر من الجانبين بأن تترك في يده بأجر إلى إدراك الغلة ، وإن : فهذه هبة لأن عين الطعام تطعم فإضافة لفظة الإطعام إلى ما يطعم عينه يكون تصرفا في العين تمليكا بغير عوض ; وذلك يكون هبة ، وكذلك لو قال : قد أطعمتك هذا الطعام فاقبضه ، فقبضه ; لأن معنى كلامه : ملكتك هذه الدار ; ألا ترى أن في التمليك ببدل لا فرق بين لفظ الجعل ، والتمليك [ ص: 96 ] فكذلك في التمليك بغير بدل . فإن قال : جعلت هذه الدار لك ، فاقبضها : فهذه عارية ; لأن قوله : سكنى تفسير لقوله : عمرى . والكلام المبهم إذا تعقبه تفسير فالحكم للتفسير ، وبيان هذا وهو أن قوله : لك عمرى ، يحتمل تمليك عينها منه عمره ، ويحتمل تمليك منفعتها . فكان قوله : سكنى ، تفسيرا ، أي : لك سكناها عمرك ، وكذلك قوله : نحلى سكنى ، وقوله : هبة سكنى ، أو سكنى هبة ، أو سكنى صدقة ، فهذا كله عارية ; لما بينا أن قوله : سكنى ، تفسير للمحمل من كلامه ; ألا ترى أنه لو قال : هي لك فاقبضها : كانت هبة ، ولو قال : هي لك سكنى كانت عارية ، وجعل قوله : سكنى تفسيرا ، وكذلك إذا زاد لفظة العمرى والهبة والصدقة ، وإن قال : داري لك عمرى سكنى : فهي عارية . قدم لفظة الهبة ، أو أخرها ; لأنه محتمل لجواز أن يكون مراده هبة العين ، ويجوز أن يكون مراده هبة المنفعة . وقوله : عارية ، تفسير لذلك المبهم ; لأنه في نفسه محكم لا يتناول إلا المنفعة ، فسواء قدمه أو أخره ، فالحكم له وإن قال : هي لك هبة عارية ، أو هي عارية هبة فهي إجارة في الوجهين لأن لفظة الإجارة في حق المحل محكم ; فإنه لا يتناول إلا المنفعة ، ولفظة الهبة تحتمل تناول العين تارة ، والمنفعة تارة أخرى ; فكان الحكم للفظ المحكم قدمه ، أو أخره ، وتمليك المنفعة ببدل معلوم إلى مدة معلومة تكون إجارة . قال : هي لك هبة إجارة كل شهر بدرهم أو إجارة هبة
وإن : فهي هبة لأن قوله تسكنها ليس بتفسير لقوله : عمرى ، فالفعل لا يصلح تفسيرا للاسم ، ولكنه مشورة أشار عليه في ملكه فإن شاء : قبل مشورته وسكنها ، وإن شاء لم يقبل ، وهو بيان لمقصوده أنه ملكه الدار عمره ليسكنها ، وهذا معلوم . وإن لم يذكره ، فلا يتغير به حكم التمليك بمنزلة قوله : هذا الطعام لك تأكله ، أو هذا الثوب لك تلبسه . قال : داري هذه لك عمرى تسكنها ، وسلمها إليه