الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : رجل وهب لرجل درهما ، فقبضه الموهوب له وجعله صدقة لله تعالى : فللواهب أن يرجع فيه ما لم يقبضه المتصدق عليه ; لأنه التزم فيه الصدقة بنذره ، فلا يكون ذلك أقوى من وجوب الصدقة عليه فيه بإيجاب الله تعالى ، وهو الزكاة ; وذلك لا يمنعه من الرجوع ; وهذا لأن قبض المتصدق عليه لا يتم معنى العبادة والتقرب فيه ، ( وكذلك ) لو وهب له ناقة ، فجعلها الموهوب له بدنة ، وقلدها : فللواهب أن يرجع فيها قبل أن ينحرها الموهوب له . وفرق أبو يوسف بين هذا والأول فقال : بالتقليد رأيتم ، جعلها لله - تعالى - ألا ترى أنه لو قلدها عن هدي واجب ، فهلكت قبل أن ينحرها : فإنه عليه أخرى - بخلاف ما بعد النحر - وإن وهب له أجزاعا ، فكسرها ، وجعلها حطبا : فله أن يرجع فيها ; لأن هذا نقصان في العين - وإن كان يزيد في المالية ، فذلك بزيادة رغائب الناس فيه لا لمعنى في العين - فلهذا كان [ ص: 101 ] له أن يرجع فيها . ( وكذلك ) لو وهب له لبنها ، فجعله طينا : فهذا نقصان ، فإن أعاده لبنا لم يرجع فيها ; لأن هذا اللبن حادث بفعله ، أو ضرب اللبن من الطين زيادة في عينه ، فإذا كان حادثا في يد الموهوب له ; منع ذلك الواهب من الرجوع ، وإن وهب له نجيحا فجعله خلا : لم يرجع فيه ; لأن مالية الخل غير مالية النجيح ، وهذه مالية حدثت بصنعة حادثة في العين في يد الموهوب له . وإن وهب له سيفا فجعله سكاكين ، أو سكينا : لم يكن له أن يرجع فيه ; لأن السكين غير السيف .

( وكذلك ) إن كسره ، فجعل منه سيفا آخر ; لأن هذا الثاني حادث بعلمه ; ألا ترى أن الغاصب لو فعل ذلك كان ضامنا قيمة السيف المغصوب منه ويجعل ما ضربه له . قال : وإن وهب له دارا ، فبناها على غير ذلك البناء ، وترك بعضها على حالها : لم يكن له أن يرجع في شيء منها ; لأن ما زاد في البناء في جانب منها يكون زيادة في جميعها ، كما في الأرض إذا بنى في ناحية منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية