( قال رحمه الله ) وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=24889_27178بعث الخليفة عاملا على كورة ، فقال لرجل لتقتلن هذا الرجل عمدا بالسيف ، أو لأقتلنك ، فقتله المأمور ، فالقود على الآمر المكره في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله ، ولا قود على المكره ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر رحمه الله القود على المكره دون المكره ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله يجب القود على المكره قولا واحدا ، وله في إيجاب القود على المكره قولان .
، وقال أهل
المدينة رحمهم الله عليهما القود ، وزادوا على هذا ، فأوجبوا القود على الممسك حتى إذا
nindex.php?page=treesubj&link=23597أمسك رجلا ، فقتله عدوه قالوا يجب القود على الممسك ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف أستحسن أن لا يجب القود على واحد منهما ، ولكن تجب الدية على المكره في ماله في ثلاث سنين أما
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر رحمه الله ، فاستدل بقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } ، والمراد سلطان استيفاء القود من القاتل والقاتل هو المكره حقيقة ، والمعنى فيه أن من
nindex.php?page=treesubj&link=9138قتل من يكافئه لإحياء نفسه يعتمد بحق مضمون ، فيلزمه القود كما لو أصابته مخمصة ، فقتل إنسانا ، وأكل من لحمه ، والدليل على أن القاتل هو المكره أن القتل فعل محسوس ، وهو يتحقق من المكره ، والطائع بصفة واحدة فيعرف به أنه قاتل حقيقة ، ومن حيث الحكم أنه يأثم إثم القتل ، وإثم القتل على من
[ ص: 73 ] باشر القتل ، والدليل عليه أن المقصود بالقتل إذا قدر على قتل المكره كان له أن يقتله كما لو كان طائعا ، وبه نعلل .
، فنقول : كل حكم يتعلق بالقتل ، فإنه لا يسقط عن المكره بالإكراه كالإثم ، والتفسيق ، ورد الشهادة ، وإباحة قتله للمقصود بالقتل بل أولى ; لأن تأثير الضرورة في إسقاط الإثم دون الحكم حتى إن من أصابته مخمصة يباح له تناول مال الغير ، ويكون ضامنا ، ثم هنا لا يسقط إثم الفعل عن المكره ، فلأن لا يسقط عنه حكم القتل أولى ، ولما جعل هذا نظير الإكراه بالحبس في إثم الفعل ، فكذلك في حكمه ، ولا يقال : إنما يأثم إثم سوء الاختيار ، أو إثم جعل المخلوق في معصية الخالق ; لأنه مكره على هذا كله كما هو مكره على القتل .
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يستدل بهذا أيضا إلا أنه يوجب القود على المكره أيضا للسبب القوي ; لأن القصد إلى القتل بهذا الطريق ظاهر من المتخيرين ، والقصاص مشروع بطريق الزجر ، فيقام السبب القوي مقام المباشرة في حق المكره لتغليظ أمر الدم ، وتحقيق معنى الزجر كما قال في شهود القصاص يلزمهم القود قال ، وعلى أصلكم حد قطاع الطريق يجب على الردى بالسبب القوي ، والدليل عليه أن الجماعة يقتلون بالواحد قصاصا لتحقيق معنى الزجر ، ومن أوجب القود على الممسك يستدل بها أيضا ، فنقول الممسك قاصد إلى قتله مسبب له ، فإذا كان التسبيب يقام مقام المباشرة في أخذ بدل الدم ، وهو الدية يعني حافر البئر في الطريق ، فكذلك في حكم القصاص إلا أن المتسبب إذا قصد شخصا بعينه يكون عامدا ، فيلزمه القود ، وإذا لم يقصد بتسببه شخصا بعينه ، فهو بمنزلة المخطئ ، فتلزمه الدية
nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي رحمه الله طريق آخر أن المكره مع المكره بمنزلة الشريكين في القتل ; لأن القصد وجد من المكره ، وما هو المقصود به ، وهو الانتقام يحصل له ، والمباشرة وجدت من المكره ، فكانا بمنزلة الشريكين ، ثم وجب القود على أحدهما ، وهو المكره فكذلك على الآخر ، والدليل على أنهما كشريكين أنهما مشتركان في إثم الفعل ، وأن المقصود بالقتل أن يقتلهما جميعا .
، وحجة
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد أن المكره ملجأ إلى هذا الفعل ، والإلجاء بأبلغ الجهات يجعل الملجأ آلة للملجئ ، فلا يصلح أن يكون آلة له كما في إتلاف المال ، فإن الضمان يجب على المكره ، ويصير المكره آلة له حتى لا يكون عليه شيء من حكم الإتلاف ، ومعلوم أن المباشر ، والمتسبب إذا اجتمعا في الإتلاف ، فالضمان على المباشر دون المتسبب ، ولما وجب ضمان المال على المكره علم أن الإتلاف منسوب إلى المكره ، ولا طريق للنسبة إليه سوى جعل المكره آلة للمكره ، فكذلك في القتل ; لأن المكره يصلح أن يكون آلة للمكره فيه بأن يأخذ بيده
[ ص: 74 ] مع السكين ، فيقتل به غيره ، وتفسير الإلجاء أنه صار محمولا على ذلك الفعل بالتهديد بالقتل ، فالإنسان مجبول على حب الحياة ، ولا يتوصل إلى ذلك إلا بالإقدام على القتل ، فيفسد اختياره بهذا الطريق ، ثم يصير محمولا على هذا الفعل ، وإذا فسد اختياره التحق بالآلة التي لا اختيار لها ، فيكون الفعل منسوبا إلى من فسد اختياره ، وحمله على هذا الفعل لا على الآلة ، فلا يكون على المكره شيء من حكم القتل من قصاص ، ولا دية ، ولا كفارة .
( ألا ترى ) أن شيئا من المقصود لا يحصل للمكره ، فلعل المقتول من أخص أصدقائه ، فعرفنا أنه بمنزلة الآلة ، فأما الإثم ، فبقاء الإثم عليه لا يدل على بقاء الحكم كما إذا قال لغيره : اقطع يدي ، فقطعها كان آثما ، ولا شيء عليه من حكم القطع بل في الحكم يجعل كأن الآمر فعله بنفسه ، وقد بينا أنه مع ، فساد الاختيار يبقى مخاطبا ، فلبقائه مخاطبا كان عليه إثم القتل ، ولفساد اختياره لم يكن عليه شيء من حكم القتل ، ثم حقيقة المعنى في العذر عن فعل الإثم من وجهين : أحدهما أن تأثير الإلجاء في تبديل النسبة لا في تبديل محل الجناية ، ولو جعلنا المكره هو الفاعل في حكم الضمان لم يتبدل به محل الجناية ، ولو أخر جناية المكره من أن يكون فاعلا في حق الآثم تبدل به محل الجناية ; لأن الآثم من حيث إنه جناية على حد الدين ، وإذا جعلنا المكره في هذا آلة كانت الجناية على حد دين المكره دون المكره ، وإذا قلنا : المكره آثم ، ويكون الفعل منسوبا إليه في حق الآثم كانت جناية على دينه بارتكاب ما هو حرام محض ، وبسبب الإكراه لا يتبدل محل الجناية ، فأما في حق الضمان فمحل الجناية نفس المقتول سواء كان الفعل منسوبا إلى المكره ، أو إلى المكره ، وبهذا تبين أن في حق الإثم لا يصلح أن يكون آلة ; لأن الإنسان في الجناية على حد دين نفسه لا يصلح أن يكون آلة لغيره ، والثاني - أنا لو جعلنا المكره آلة في حق الإثم كان ذلك إهدارا ، وليس تأثير الإلجاء في الإهدار .
( ألا ترى ) أن في المال لا يجعل فعل المكره كفعل بهيمة ليس لها اختيار صحيح ، والمكره آثم بإكراهه ، فإذا لم يجعل المكره آثما كان هذا إهدارا للآثم في حقه أصلا ، ولا تأثير للإلجاء في ذلك بخلاف حكم الفعل ، فإنه إذا جعل المكره آلة فيه كان المكره مؤاخذا به إلا أن يكون هدرا ، ولا يقال : الحربي إذا أكره مسلما على قتل مسلم ، فإن الفعل يصير منسوبا إلى المكره عندكم ، وفي هذا إهدار ; لأنه ليس على المكره شيء من الضمان ، وهذا ; لأنه ليس بإهدار بل هو بمنزلة ما لو باشر الحربي قتله فيكون المقتول شهيدا ، ولا يكون قتل الحربي إياه هدرا ، وإن كان لا يؤاخذ بشيء من الضمان إذا أسلم ، وبه ، فارق المضطر ; لأنه غير ملجأ إلى ذلك الفعل من جهة غيره ليصير
[ ص: 75 ] هو آلة للملجئ .
( ألا ترى ) أن في المال الضمان ، واجب عليه ، فعرفنا به أن حكم الفعل مقصور عليه ، والدليل على أن الفاعل هو المكره أن القصاص يلزمه عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ، والقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات ، فيعتمد المساواة حتى أن بدون المساواة لا يجب القصاص كما بين المسلم ، والمستأمن ، وكما في كسر العظام ، ولا مساواة بين المباشرة ، والتسبب ، ولا طريق لجعل المكره شريكا إلا بنسبة بعض الفعل إليه ، وإذا كان للإلجاء تأثير في نسبة بعض الفعل إلى الملجئ ، فكذلك في نسبة جميع الفعل إليه ، ولا معنى لإيجاب القود على الممسك ; لأن القصاص جزاء مباشرة الفعل ، فإنه عقوبة تندرئ بالشبهات ، وفي التسبب نقصان ، فيجوز أن يثبت به ما يثبت مع الشبهات ، وهو المال ، ولا يجوز أن يثبت ما يندرئ بالشبهات بخلاف حد قطاع الطريق ، فإن ذلك جزاء المحاربة ، والردء مباشر للمحاربة كالقاتل ، وقد بينا هذا في السرقة ، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81443يصبر الصابر ، ويقتل القاتل } أي يحبس الممسك ، ويقتل القاتل .
فأما
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف رحمه الله ، فقال أستحسن أن لا يجب القود على واحد منهما ; لأن بقاء الإثم في حق المكره دليل على أن الفعل كله لم يصر منسوبا إلى المكره ، والقصاص لا يجب إلا بمباشرة تامة ، وقد انعدم ذلك من المكره حقيقة ، وحكما ، فلا يلزمه القود ، وإن كان هو المؤاخذ بحكم القتل فيما يثبت مع الشبهات ، والدليل عليه أن وجوب القصاص يعتمد المساواة ، ولا مساواة بين المباشرة ، والإكراه ، فلا يمكن إيجاب القود على المكره إلا بطريق المساواة ، ولكنا نقول : المكره مباشر شرعا بدليل أن سائر الأحكام سوى القصاص نحو حرمان الميراث ، والكفارة في الموضع الذي يجب ، والدية يختص بها المكره فكذلك القود ، والأصل فيه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم } ، فقد نسب الله الفعل إلى المعين ، وهو ما كان يباشر صورة ، ولكنه كان مطاعا فأمر به ، وأمره إكراه إذا عرفنا هذا ، فنقول : سواء كان المكره بالغا عاقلا ، أو كان معتوها ، أو غلاما غير يافع فالقود على المكره ; لأن المكره صار كالآلة ، والبلوغ .
والعقل لا معتبر به في حق الآلة ، وإنما المعتبر تحقق الإلجاء لخوف التلف على نفسه ، وكذلك حكم حرمان الميراث ، فإنه يثبت في حق المكره دون المكره ، وإن كان الآمر غير بالغ ، ولكنه مطاع بتحقق الإكراه منه ، أو كان رجلا مختلط العقل ، ولكن يتحقق الإكراه منه ، فإن الفعل يصير منسوبا إليه ، وذلك يكون بمنزلة جنايته بيده في أحكام القتل ، واستدل بقول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري رحمه الله في أربعة شهدوا على رجل بالزنا ، ورجمه الناس فقتلوه ، ثم رجع بعض الشهود - إن على الراجع
[ ص: 76 ] القتل ، وهذا شيء لا يؤاخذ به ، ولكن قصد بهذا الاستشهاد دفع النسبة عمن تمسك بالصورة ، ويقول كيف أوجبتم القتل على المكره ، ولم يباشر القتل حسا ؟ واستدل عليه بقول أهل
المدينة في الممسك : ويقتل الردء في قطع الطريق ، وإن لم يباشروا قتل أحد حسا ، وكذلك لو قال العامل له لتقطعن يده ، أو لأقتلنك لم ينبغ له أن يفعل ذلك ; لأن لأطراف المؤمن من الحرمة مثل ما لنفسه .
( ألا ترى ) أن المضطر لا يحل له أن يقطع طرف الغير ليأكله كما لا يحل له أن يقتله ، وكذلك لو أمره بقطع أصبع أو نحوه ، فإن حرمة هذا الجزء بمنزلة حرمة النفس ، فإن القتل من المظالم ، والمكره مظلوم ، فليس له أن يظلم أحدا ، ولو ظلم ، وإن أقدم على القتل ، فليس عليه إلا الإثم ، فأما الفعل في حق الحكم ، فقد صار منسوبا إلى المكره لوجود الإلجاء بالتهديد بالقتل ، وإن رأى الخليفة أن يعزر المكره ، ويحبسه ، فعل لإقدامه على ما لا يحل له الإقدام عليه ، وإن أمره أن يضربه سوطا واحدا ، أو أمره أن يحلق رأسه ، أو لحيته ، أو أن يحبسه ، أو أن يقيده ، وهدده على ذلك بالقتل رجوت أن لا يكون آثما في فعله ، ولا في تركه أما في تركه ، فلأنه من المظالم ، والكف عن المظالم ، هو العزيمة ، والمتمسك بالعزيمة لا يكون آثما ، وأما إذا قدم عليه ، فلأنه يدفع القتل عن نفسه بهم ، وحزن يدخل على غيره ، فإن بالحبس ، والقيد ، وبحلق اللحية ، وضرب سوط يدخله هم ، وحزن ، ولا يخاف على نفسه ، ولا على شيء من أعضائه ، ولدفع الهلاك عن نفسه قد رخص له الشرع في إدخال الهم ، والحزن على غيره .
( ألا ترى ) أن المضطر يأخذ طعام الغير بغير رضاه ، ولا شك أن صاحب الطعام يلحقه حزن بذلك إلا أنه علق الجواب بالإلجاء ; لأنه لم يجد في هذا بعينه نصا ، والفتوى بالرخصة فيما هو من مظالم العباد بالرأي لا يجوز مطلقا ، فلهذا قال رجوت ، وإن كان يهدده على ذلك بحبس ، أو قيد ، أو ضرب سوط ، أو حلق رأسه ، ولحيته لم ينبغ له أن يقدم على شيء من الظلم قل ذلك ، أو كثر ; لأن الرخصة عند تحقق الضرورة ، وذلك إذا خاف التلف على نفسه ، وهو بما هدده هنا لا يخاف التلف على نفسه . .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=24889_27178بَعَثَ الْخَلِيفَةُ عَامِلًا عَلَى كُورَةٍ ، فَقَالَ لِرَجُلٍ لَتَقْتُلَنَّ هَذَا الرَّجُلَ عَمْدًا بِالسَّيْفِ ، أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ ، فَقَتَلَهُ الْمَأْمُورُ ، فَالْقَوَدُ عَلَى الْآمِرِ الْمُكْرِهِ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَلَا قَوَدَ عَلَى الْمُكْرَهِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15922زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرِهِ دُونَ الْمُكْرَهِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرِهِ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَلَهُ فِي إيجَابِ الْقَوَدِ عَلَى الْمُكْرِهِ قَوْلَانِ .
، وَقَالَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمَا الْقَوَدُ ، وَزَادُوا عَلَى هَذَا ، فَأَوْجَبُوا الْقَوَدَ عَلَى الْمُمْسِكِ حَتَّى إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=23597أَمْسَكَ رَجُلًا ، فَقَتَلَهُ عَدُوُّهُ قَالُوا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْمُمْسِكِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا يَجِبَ الْقَوَدُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُكْرِهِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=15922زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } ، وَالْمُرَادُ سُلْطَانُ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ مِنْ الْقَاتِلِ وَالْقَاتِلُ هُوَ الْمُكْرِهُ حَقِيقَةً ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=9138قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ يُعْتَمَدُ بِحَقٍّ مَضْمُونٍ ، فَيَلْزَمُهُ الْقَوَدُ كَمَا لَوْ أَصَابَتْهُ مَخْمَصَةٌ ، فَقَتَلَ إنْسَانًا ، وَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ هُوَ الْمُكْرِهُ أَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ مَحْسُوسٌ ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمُكْرَهِ ، وَالطَّائِعِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُعْرَفُ بِهِ أَنَّهُ قَاتِلٌ حَقِيقَةً ، وَمِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ أَنَّهُ يَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ ، وَإِثْمُ الْقَتْلِ عَلَى مَنْ
[ ص: 73 ] بَاشَرَ الْقَتْلَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَتْلِ إذَا قَدَرَ عَلَى قَتْلِ الْمُكْرِهَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ كَمَا لَوْ كَانَ طَائِعًا ، وَبِهِ نُعَلِّلُ .
، فَنَقُولُ : كُلُّ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُكْرَهِ بِالْإِكْرَاهِ كَالْإِثْمِ ، وَالتَّفْسِيقِ ، وَرَدِّ الشَّهَادَةِ ، وَإِبَاحَةِ قَتْلِهِ لِلْمَقْصُودِ بِالْقَتْلِ بَلْ أَوْلَى ; لِأَنَّ تَأْثِيرَ الضَّرُورَةِ فِي إسْقَاطِ الْإِثْمِ دُونَ الْحُكْمِ حَتَّى إنَّ مَنْ أَصَابَتْهُ مَخْمَصَةٌ يُبَاحُ لَهُ تَنَاوُلُ مَالِ الْغَيْرِ ، وَيَكُونُ ضَامِنًا ، ثُمَّ هُنَا لَا يَسْقُطُ إثْمُ الْفِعْلِ عَنْ الْمُكْرَهِ ، فَلَأَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ حُكْمُ الْقَتْلِ أَوْلَى ، وَلَمَّا جَعَلَ هَذَا نَظِيرَ الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ فِي إثْمِ الْفِعْلِ ، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِهِ ، وَلَا يُقَالُ : إنَّمَا يَأْثَمُ إثْمَ سُوءِ الِاخْتِيَارِ ، أَوْ إثْمَ جَعْلِ الْمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ; لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى هَذَا كُلِّهِ كَمَا هُوَ مُكْرَهٌ عَلَى الْقَتْلِ .
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَى الْمُكْرَهِ أَيْضًا لِلسَّبَبِ الْقَوِيِّ ; لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى الْقَتْلِ بِهَذَا الطَّرِيقِ ظَاهِرٌ مِنْ الْمُتَخَيِّرَيْنِ ، وَالْقِصَاصُ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ الزَّجْرِ ، فَيُقَامُ السَّبَبُ الْقَوِيُّ مَقَامَ الْمُبَاشَرَةِ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ لِتَغْلِيظِ أَمْرِ الدَّمِ ، وَتَحْقِيقِ مَعْنَى الزَّجْرِ كَمَا قَالَ فِي شُهُودِ الْقِصَاصِ يَلْزَمُهُمْ الْقَوَدُ قَالَ ، وَعَلَى أَصْلِكُمْ حَدُّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ يَجِبُ عَلَى الرَّدَى بِالسَّبَبِ الْقَوِيِّ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ يُقْتَلُونَ بِالْوَاحِدِ قِصَاصًا لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الزَّجْرِ ، وَمَنْ أَوْجَبَ الْقَوَدَ عَلَى الْمُمْسِكِ يَسْتَدِلُّ بِهَا أَيْضًا ، فَنَقُولُ الْمُمْسِكُ قَاصِدٌ إلَى قَتْلِهِ مُسَبِّبٌ لَهُ ، فَإِذَا كَانَ التَّسْبِيبُ يُقَامُ مُقَامَ الْمُبَاشَرَةِ فِي أَخْذِ بَدَلِ الدَّمِ ، وَهُوَ الدِّيَةُ يَعْنِي حَافِرَ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ ، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ إلَّا أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ إذَا قَصَدَ شَخْصًا بِعَيْنِهِ يَكُونُ عَامِدًا ، فَيَلْزَمُهُ الْقَوَدُ ، وَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِتَسَبُّبِهِ شَخْصًا بِعَيْنِهِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخْطِئِ ، فَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ طَرِيقٌ آخَرُ أَنَّ الْمُكْرَهَ مَعَ الْمُكْرِهِ بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْقَتْلِ ; لِأَنَّ الْقَصْدَ وُجِدَ مِنْ الْمُكْرِهِ ، وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ ، وَهُوَ الِانْتِقَامُ يَحْصُلُ لَهُ ، وَالْمُبَاشَرَةُ وُجِدْت مِنْ الْمُكْرَهِ ، فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكَيْنِ ، ثُمَّ وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى أَحَدِهِمَا ، وَهُوَ الْمُكْرِهُ فَكَذَلِكَ عَلَى الْآخَرِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا كَشَرِيكَيْنِ أَنَّهُمَا مُشْتَرَكَانِ فِي إثْمِ الْفِعْلِ ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَهُمَا جَمِيعًا .
، وَحُجَّةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُكْرَهَ مُلْجَأٌ إلَى هَذَا الْفِعْلِ ، وَالْإِلْجَاءُ بِأَبْلَغِ الْجِهَاتِ يَجْعَلُ الْمُلْجَأَ آلَةً لِلْمُلْجِئِ ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ كَمَا فِي إتْلَافِ الْمَالِ ، فَإِنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُكْرِهِ ، وَيَصِيرُ الْمُكْرَهُ آلَةً لَهُ حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِ الْإِتْلَافِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُبَاشِرَ ، وَالْمُتَسَبِّبَ إذَا اجْتَمَعَا فِي الْإِتْلَافِ ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمُتَسَبِّبِ ، وَلَمَّا وَجَبَ ضَمَانُ الْمَالِ عَلَى الْمُكْرِهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَى الْمُكْرِهِ ، وَلَا طَرِيقَ لِلنِّسْبَةِ إلَيْهِ سِوَى جَعْلِ الْمُكْرَهِ آلَةً لِلْمُكْرِهِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقَتْلِ ; لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِيهِ بِأَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ
[ ص: 74 ] مَعَ السِّكِّينِ ، فَيَقْتُلَ بِهِ غَيْرَهُ ، وَتَفْسِيرُ الْإِلْجَاءِ أَنَّهُ صَارَ مَحْمُولًا عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ بِالتَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ ، فَالْإِنْسَانُ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ ، وَلَا يَتَوَصَّلُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْقَتْلِ ، فَيَفْسُدُ اخْتِيَارُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، ثُمَّ يَصِيرُ مَحْمُولًا عَلَى هَذَا الْفِعْلِ ، وَإِذَا فَسَدَ اخْتِيَارُهُ الْتَحَقَ بِالْآلَةِ الَّتِي لَا اخْتِيَارَ لَهَا ، فَيَكُونُ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَى مَنْ فَسَدَ اخْتِيَارُهُ ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ لَا عَلَى الْآلَةِ ، فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُكْرَهِ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِ الْقَتْلِ مِنْ قِصَاصٍ ، وَلَا دِيَةٍ ، وَلَا كَفَّارَةٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ شَيْئًا مِنْ الْمَقْصُودِ لَا يَحْصُلُ لِلْمُكْرَهِ ، فَلَعَلَّ الْمَقْتُولَ مِنْ أَخَصِّ أَصْدِقَائِهِ ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ ، فَأَمَّا الْإِثْمُ ، فَبَقَاءُ الْإِثْمِ عَلَيْهِ لَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْحُكْمِ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ : اقْطَعْ يَدِي ، فَقَطَعَهَا كَانَ آثِمًا ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْقَطْعِ بَلْ فِي الْحُكْمِ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْآمِرَ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مَعَ ، فَسَادِ الِاخْتِيَارِ يَبْقَى مُخَاطَبًا ، فَلِبَقَائِهِ مُخَاطَبًا كَانَ عَلَيْهِ إثْمُ الْقَتْلِ ، وَلِفَسَادِ اخْتِيَارِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِ الْقَتْلِ ، ثُمَّ حَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِي الْعُذْرِ عَنْ فِعْلِ الْإِثْمِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ تَأْثِيرَ الْإِلْجَاءِ فِي تَبْدِيلِ النِّسْبَةِ لَا فِي تَبْدِيلِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ ، وَلَوْ جَعَلْنَا الْمُكْرَهَ هُوَ الْفَاعِلُ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ لَمْ يَتَبَدَّلْ بِهِ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ ، وَلَوْ أَخَّرَ جِنَايَةَ الْمُكْرَهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا فِي حَقِّ الْآثِمِ تَبَدَّلَ بِهِ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ ; لِأَنَّ الْآثِمَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى حَدِّ الدِّينِ ، وَإِذَا جَعَلْنَا الْمُكْرَهَ فِي هَذَا آلَةً كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى حَدِّ دِينِ الْمُكْرِهِ دُونَ الْمُكْرَهِ ، وَإِذَا قُلْنَا : الْمُكْرَهُ آثِمٌ ، وَيَكُونُ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فِي حَقِّ الْآثِمِ كَانَتْ جِنَايَةً عَلَى دِينِهِ بِارْتِكَابِ مَا هُوَ حَرَامٌ مَحْضٌ ، وَبِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ لَا يَتَبَدَّلُ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ ، فَأَمَّا فِي حَقِّ الضَّمَانِ فَمَحَلُّ الْجِنَايَةِ نَفْسُ الْمَقْتُولِ سَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرَهِ ، أَوْ إلَى الْمُكْرِهِ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ فِي حَقِّ الْإِثْمِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى حَدِّ دِينِ نَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِغَيْرِهِ ، وَالثَّانِي - أَنَّا لَوْ جَعَلْنَا الْمُكْرَهَ آلَةً فِي حَقِّ الْإِثْمِ كَانَ ذَلِكَ إهْدَارًا ، وَلَيْسَ تَأْثِيرُ الْإِلْجَاءِ فِي الْإِهْدَارِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ فِي الْمَالِ لَا يُجْعَلُ فِعْلُ الْمُكْرَهِ كَفِعْلِ بَهِيمَةٍ لَيْسَ لَهَا اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ ، وَالْمُكْرِهُ آثِمٌ بِإِكْرَاهِهِ ، فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ الْمُكْرَهُ آثِمًا كَانَ هَذَا إهْدَارًا لِلْآثِمِ فِي حَقِّهِ أَصْلًا ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِلْجَاءِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ حُكْمِ الْفِعْلِ ، فَإِنَّهُ إذَا جُعِلَ الْمُكْرَهُ آلَةً فِيهِ كَانَ الْمُكْرِهُ مُؤَاخَذًا بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَدَرًا ، وَلَا يُقَالُ : الْحَرْبِيُّ إذَا أَكْرَهَ مُسْلِمًا عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ ، فَإِنَّ الْفِعْلَ يَصِيرُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرَهِ عِنْدَكُمْ ، وَفِي هَذَا إهْدَارٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُكْرَهِ شَيْءٌ مِنْ الضَّمَانِ ، وَهَذَا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِهْدَارٍ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاشَرَ الْحَرْبِيُّ قَتْلَهُ فَيَكُونُ الْمَقْتُولُ شَهِيدًا ، وَلَا يَكُونُ قَتْلُ الْحَرْبِيِّ إيَّاهُ هَدَرًا ، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ الضَّمَانِ إذَا أَسْلَمَ ، وَبِهِ ، فَارَقَ الْمُضْطَرَّ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْجَأٍ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ لِيَصِيرَ
[ ص: 75 ] هُوَ آلَةً لِلْمُلْجِئِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ فِي الْمَالِ الضَّمَانُ ، وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، فَعَرَفْنَا بِهِ أَنَّ حُكْمَ الْفِعْلِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الْمُكْرَهُ أَنَّ الْقِصَاصَ يَلْزَمُهُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَالْقِصَاصُ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ ، فَيُعْتَمَدُ الْمُسَاوَاةُ حَتَّى أَنَّ بِدُونِ الْمُسَاوَاةِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ ، وَالْمُسْتَأْمَنِ ، وَكَمَا فِي كَسْرِ الْعِظَامِ ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ ، وَالتَّسَبُّبِ ، وَلَا طَرِيقَ لِجَعْلِ الْمُكْرَهِ شَرِيكًا إلَّا بِنِسْبَةِ بَعْضِ الْفِعْلِ إلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ لِلْإِلْجَاءِ تَأْثِيرٌ فِي نِسْبَةِ بَعْضِ الْفِعْلِ إلَى الْمُلْجِئِ ، فَكَذَلِكَ فِي نِسْبَةِ جَمِيعِ الْفِعْلِ إلَيْهِ ، وَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْقَوَدِ عَلَى الْمُمْسِكِ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ ، فَإِنَّهُ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَفِي التَّسَبُّبِ نُقْصَانٌ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ مَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ ، وَهُوَ الْمَالُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَافِ حَدِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ ، وَالرِّدْءُ مُبَاشِرٌ لِلْمُحَارِبَةِ كَالْقَاتِلِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي السَّرِقَةِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81443يَصْبِرُ الصَّابِرُ ، وَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ } أَيْ يُحْبَسُ الْمُمْسِكُ ، وَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَقَالَ أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ بَقَاءَ الْإِثْمِ فِي حَقِّ الْمُكْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ كُلَّهُ لَمْ يَصِرْ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرَهِ ، وَالْقِصَاصُ لَا يَجِبُ إلَّا بِمُبَاشَرَةٍ تَامَّةٍ ، وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ مِنْ الْمُكْرِهِ حَقِيقَةً ، وَحُكْمًا ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُؤَاخَذُ بِحُكْمِ الْقَتْلِ فِيمَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ ، وَالْإِكْرَاهِ ، فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقَوَدِ عَلَى الْمُكْرَهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : الْمُكْرَهُ مُبَاشِرٌ شَرْعًا بِدَلِيلِ أَنَّ سَائِرَ الْأَحْكَامِ سِوَى الْقِصَاصِ نَحْوُ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ ، وَالْكَفَّارَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ ، وَالدِّيَةِ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُكْرَهُ فَكَذَلِكَ الْقَوَدُ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } ، فَقَدْ نَسَبَ اللَّهُ الْفِعْلَ إلَى الْمُعِينِ ، وَهُوَ مَا كَانَ يُبَاشِرُ صُورَةً ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُطَاعًا فَأَمَرَ بِهِ ، وَأَمْرُهُ إكْرَاهٌ إذَا عَرَفْنَا هَذَا ، فَنَقُولُ : سَوَاءٌ كَانَ الْمُكْرَهُ بَالِغًا عَاقِلًا ، أَوْ كَانَ مَعْتُوهًا ، أَوْ غُلَامًا غَيْرَ يَافِعٍ فَالْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرِهِ ; لِأَنَّ الْمُكْرَهَ صَارَ كَالْآلَةِ ، وَالْبُلُوغُ .
وَالْعَقْلُ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي حَقِّ الْآلَةِ ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ تَحَقُّقُ الْإِلْجَاءِ لِخَوْفِ التَّلَفِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكْرِهِ دُونَ الْمُكْرَهِ ، وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ غَيْرَ بَالِغٍ ، وَلَكِنَّهُ مُطَاعٌ بِتَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ مِنْهُ ، أَوْ كَانَ رَجُلًا مُخْتَلَطَ الْعَقْلِ ، وَلَكِنْ يَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ مِنْهُ ، فَإِنَّ الْفِعْلَ يَصِيرُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ بِيَدِهِ فِي أَحْكَامِ الْقَتْلِ ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا ، وَرَجَمَهُ النَّاسُ فَقَتَلُوهُ ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُ الشُّهُودِ - إنَّ عَلَى الرَّاجِعِ
[ ص: 76 ] الْقَتْلَ ، وَهَذَا شَيْءٌ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ ، وَلَكِنْ قَصْدَ بِهَذَا الِاسْتِشْهَادِ دَفْعَ النِّسْبَةِ عَمَّنْ تَمَسَّكَ بِالصُّورَةِ ، وَيَقُولُ كَيْفَ أَوْجَبْتُمْ الْقَتْلَ عَلَى الْمُكْرِهِ ، وَلَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ حِسًّا ؟ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ أَهْل
الْمَدِينَةِ فِي الْمُمْسِكِ : وَيُقْتَلُ الرِّدْءُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرُوا قَتْلَ أَحَدٍ حِسًّا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْعَامِلُ لَهُ لَتَقْطَعَنَّ يَدَهُ ، أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ لِأَطْرَافِ الْمُؤْمِنِ مِنْ الْحُرْمَةِ مِثْلَ مَا لِنَفْسِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ طَرَفَ الْغَيْرِ لِيَأْكُلَهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَهُ بِقَطْعِ أُصْبُعٍ أَوْ نَحْوِهِ ، فَإِنَّ حُرْمَةَ هَذَا الْجُزْءِ بِمَنْزِلَةِ حُرْمَةِ النَّفْسِ ، فَإِنَّ الْقَتْلَ مِنْ الْمَظَالِمِ ، وَالْمُكْرَهُ مَظْلُومٌ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ أَحَدًا ، وَلَوْ ظُلِمَ ، وَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى الْقَتْلِ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْإِثْمُ ، فَأَمَّا الْفِعْلُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ ، فَقَدْ صَارَ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ لِوُجُودِ الْإِلْجَاءِ بِالتَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ ، وَإِنْ رَأَى الْخَلِيفَةُ أَنْ يُعَزِّرَ الْمُكْرَهُ ، وَيَحْبِسَهُ ، فَعَلَ لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ سَوْطًا وَاحِدًا ، أَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ ، أَوْ لِحْيَتَهُ ، أَوْ أَنْ يَحْبِسَهُ ، أَوْ أَنْ يُقَيِّدَهُ ، وَهَدَّدَهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَتْلِ رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ آثِمًا فِي فِعْلِهِ ، وَلَا فِي تَرْكِهِ أَمَّا فِي تَرْكِهِ ، فَلِأَنَّهُ مِنْ الْمَظَالِمِ ، وَالْكَفُّ عَنْ الْمَظَالِمِ ، هُوَ الْعَزِيمَةُ ، وَالْمُتَمَسِّكُ بِالْعَزِيمَةِ لَا يَكُونُ آثِمًا ، وَأَمَّا إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ ، فَلِأَنَّهُ يَدْفَعُ الْقَتْلَ عَنْ نَفْسِهِ بِهَمٍّ ، وَحُزْنٌ يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِ ، فَإِنَّ بِالْحَبْسِ ، وَالْقَيْدِ ، وَبِحَلْقِ اللِّحْيَةِ ، وَضَرْبِ سَوْطٍ يَدْخُلُهُ هَمٌّ ، وَحُزْنٌ ، وَلَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ ، وَلِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ قَدْ رَخَّصَ لَهُ الشَّرْعُ فِي إدْخَالِ الْهَمِّ ، وَالْحُزْنِ عَلَى غَيْرِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُضْطَرَّ يَأْخُذُ طَعَامَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ يَلْحَقُهُ حُزْنٌ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَ الْجَوَابَ بِالْإِلْجَاءِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ نَصًّا ، وَالْفَتْوَى بِالرُّخْصَةِ فِيمَا هُوَ مِنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ، فَلِهَذَا قَالَ رَجَوْت ، وَإِنْ كَانَ يُهَدِّدُهُ عَلَى ذَلِكَ بِحَبْسٍ ، أَوْ قَيْدٍ ، أَوْ ضَرْبِ سَوْطٍ ، أَوْ حَلْقِ رَأْسِهِ ، وَلِحْيَتِهِ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الظُّلْمِ قَلَّ ذَلِكَ ، أَوْ كَثُرَ ; لِأَنَّ الرُّخْصَةَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ ، وَذَلِكَ إذَا خَافَ التَّلَفَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَهُوَ بِمَا هَدَّدَهُ هُنَا لَا يَخَافُ التَّلَفَ عَلَى نَفْسِهِ . .