ولو أن
nindex.php?page=treesubj&link=24889_26395محرما قيل له : لنقتلنك ، أو لتقتلن هذا الصيد ، فأبى أن يفعل حتى قتل كان مأجورا إن شاء الله ; لأن حرمة قتل الصيد على المحرم حرمة مطلقة قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } ، فكأن الامتناع عزيمة ، وإباحة قتل الصيد رخصة
[ ص: 153 ] عند الضرورة ، فإن ترخص بالرخصة كان في سعة من ذلك ، وإن تمسك بالعزيمة ، فهو أفضل له ، فإن قتل الصيد فلا شيء عليه في القياس ، ولا على الذي أمره ، وفي الاستحسان على القاتل الكفارة أما الآمر ، فلا شيء عليه ; لأنه حلال لو باشر قتل الصيد بيده لم يلزمه شيء ، فكذلك إذا أكره عليه غيره ، وأما المحرم ، ففي القياس لا شيء عليه ; لأنه صار آلة للمكره بالإلجاء التام ، فينعدم الفعل في جانبه .
( ألا ترى ) أن في قتل المسلم لا يكون هو ضامنا شيئا لهذا المعنى ، وإن كان لا يسعه الإقدام على القتل ، ففي قتل الصيد أولى ، ووجه الاستحسان أن قتل الصيد منه جناية على إحرامه وهو بالجناية على إحرام نفسه لا يصلح أن يكون آلة لغيره فأما قتل المسلم ، فجناية على المحل ، وهو يصلح أن يكون آلة للمكره في ذلك حتى إن في حق الآثم لما كان ذلك جناية على حق دينه ، وهو لا يصلح آلة لغيره في ذلك اقتصر الفعل عليه في حق الآثم : توضيحه أنه لما لم يجب على الآمر هنا شيء ، فلو لم نوجب الكفارة على القاتل كان تأثير الإكراه في الإهدار ، وقد بينا أنه لا تأثير للإكراه في الإهدار ، ولا في تبديل محل الجناية ، وإن كانا محرمين جميعا ، فعلى كل واحد منهما كفارة أما على المكره ، فلأنه لو باشر قتل الصيد بيده لزمته الكفارة ، فكذلك إذا باشر بالإكراه ، وأما المكره ، فلأنه في الجناية على إحرام نفسه لا يصلح آلة لغيره .
يوضحه أنه لا حاجة هنا إلى نسبة أصل الفعل إلى المكره في إيجاب الكفارة عليه ، فكفارة الصيد تجب على المحرم بالدلالة ، والإشارة ، وإن لم يصر أصل الفعل منسوبا إليه ، فكذلك هنا ، وبه فارق كفارة القتل إذا كان خطأ ، أو شبه عمد ، فإنه يكون على المكره دون المكره بمنزلة ضمان الدية ، والقصاص ; لأن تلك الكفارة لا تجب إلا بمباشرة القتل ، ومن ضرورة نسبة المباشرة إلى المكره أن لا يبقى فعل في جانب المكره ، وهنا وجوب الكفارة لا يعتمد مباشرة القتل ، فيجوز إيجابه على المكره بالمباشرة وعلى المكره بالتسبيب ، ولأن السبب هنا الجناية على الإحرام ، وكل واحد منهما جان على إحرام نفسه ، فأما هناك ، فالسبب هو الجناية على المحل ، والمحل واحد ، فإذا أوجبنا الكفارة باعتبارها على المكره قلنا : لا يجب على المكره ، ولو توعده بالحبس ، وهما محرمان ، ففي القياس تجب الكفارة على القاتل دون الآمر ; لأن قتل الصيد فعل ، ولا أثر للإكراه بالحبس في الأفعال ، وفي الاستحسان على كل واحد منهما الجزاء أما على القاتل ، فلا يشكل ، وأما على المكره فلأن تأثير الإكراه بالحبس أكثر من تأثير الدلالة ، والإشارة ، وإذا كان الجزاء يجب على المحرم بالدلالة
[ ص: 154 ] والإشارة ، فبالإكراه بالحبس أولى .
ولو كانا حلالين في
الحرم ، وقد توعده بقتل كانت الكفارة على المكره ; لأن جزاء الصيد في حكم ضمان المال ، ولهذا لا يتأدى بالصوم ، فلا تجب بالدلالة ، ولا تتعدد بتعدد الفاعلين ، وهذا ; لأن وجوبها باعتبار حرمة المحل ، فيكون بمنزلة ضمان المال ، وذلك على المكره دون المكره عند التهديد بالقتل ، وإن توعده بالحبس كانت الكفارة على القاتل خاصة بمنزلة ضمان المال ، وبمنزلة الكفارة في قتل الآدمي خطأ .
وَلَوْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24889_26395مُحْرِمًا قِيلَ لَهُ : لَنَقْتُلَنَّكَ ، أَوْ لَتَقْتُلَنَّ هَذَا الصَّيْدَ ، فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا إنْ شَاءَ اللَّهُ ; لِأَنَّ حُرْمَةَ قَتْلِ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ حُرْمَةٌ مُطْلَقَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } ، فَكَأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَزِيمَةٌ ، وَإِبَاحَةَ قَتْلِ الصَّيْدِ رُخْصَةٌ
[ ص: 153 ] عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، فَإِنْ تَرَخَّصَ بِالرُّخْصَةِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ تَمَسَّك بِالْعَزِيمَةِ ، فَهُوَ أَفْضَلُ لَهُ ، فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْقِيَاسِ ، وَلَا عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الْقَاتِلِ الْكَفَّارَةُ أَمَّا الْآمِرُ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ حَلَالٌ لَوْ بَاشَرَ قَتْلَ الصَّيْدِ بِيَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، فَكَذَلِكَ إذَا أَكْرَهَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ ، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ ، فَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ صَارَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ بِالْإِلْجَاءِ التَّامِّ ، فَيَنْعَدِمُ الْفِعْلُ فِي جَانِبِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ هُوَ ضَامِنًا شَيْئًا لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَتْلِ ، فَفِي قَتْلِ الصَّيْدِ أَوْلَى ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ مِنْهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِهِ وَهُوَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِغَيْرِهِ فَأَمَّا قَتْلُ الْمُسْلِمِ ، فَجِنَايَةٌ عَلَى الْمَحَلِّ ، وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِي ذَلِكَ حَتَّى إنَّ فِي حَقِّ الْآثِمِ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ جِنَايَةً عَلَى حَقِّ دِينِهِ ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ آلَةً لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ اقْتَصَرَ الْفِعْلُ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْآثِمِ : تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْآمِرِ هُنَا شَيْءٌ ، فَلَوْ لَمْ نُوجِبْ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْقَاتِلِ كَانَ تَأْثِيرُ الْإِكْرَاهِ فِي الْإِهْدَارِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي الْإِهْدَارِ ، وَلَا فِي تَبْدِيلِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ ، وَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ جَمِيعًا ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ أَمَّا عَلَى الْمُكْرِهِ ، فَلِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ قَتْلَ الصَّيْدِ بِيَدِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ، فَكَذَلِكَ إذَا بَاشَرَ بِالْإِكْرَاهِ ، وَأَمَّا الْمُكْرَهُ ، فَلِأَنَّهُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ آلَةً لِغَيْرِهِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ هُنَا إلَى نِسْبَةِ أَصْلِ الْفِعْلِ إلَى الْمُكْرِهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ ، فَكَفَّارَةُ الصَّيْدِ تَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالدَّلَالَةِ ، وَالْإِشَارَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ أَصْلُ الْفِعْلِ مَنْسُوبًا إلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَبِهِ فَارَقَ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ إذَا كَانَ خَطَأً ، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الدِّيَةِ ، وَالْقِصَاصِ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ ، وَمِنْ ضَرُورَةِ نِسْبَةِ الْمُبَاشَرَةِ إلَى الْمُكْرَهِ أَنْ لَا يَبْقَى فِعْلٌ فِي جَانِبِ الْمُكْرِهِ ، وَهُنَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ لَا يَعْتَمِدُ مُبَاشَرَةَ الْقَتْلِ ، فَيَجُوزُ إيجَابُهُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَعَلَى الْمُكْرِهِ بِالتَّسْبِيبِ ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُنَا الْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَانٍ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ ، فَأَمَّا هُنَاكَ ، فَالسَّبَبُ هُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَحَلِّ ، وَالْمَحَلُّ وَاحِدٌ ، فَإِذَا أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ بِاعْتِبَارِهَا عَلَى الْمُكْرَهِ قُلْنَا : لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْرِهِ ، وَلَوْ تَوَعَّدَهُ بِالْحَبْسِ ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ ، فَفِي الْقِيَاسِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ الْآمِرِ ; لِأَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ فِعْلٌ ، وَلَا أَثَرَ لِلْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ فِي الْأَفْعَالِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ أَمَّا عَلَى الْقَاتِلِ ، فَلَا يَشْكُلُ ، وَأَمَّا عَلَى الْمُكْرَهِ فَلِأَنَّ تَأْثِيرَ الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ أَكْثَرُ مِنْ تَأْثِيرِ الدَّلَالَةِ ، وَالْإِشَارَةِ ، وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالدَّلَالَةِ
[ ص: 154 ] وَالْإِشَارَةِ ، فَبِالْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ أَوْلَى .
وَلَوْ كَانَا حَلَالَيْنِ فِي
الْحَرَمِ ، وَقَدْ تَوَعَّدَهُ بِقَتْلٍ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُكْرِه ; لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ فِي حُكْمِ ضَمَانِ الْمَالِ ، وَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ ، فَلَا تَجِبُ بِالدَّلَالَةِ ، وَلَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفَاعِلِينَ ، وَهَذَا ; لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْمَالِ ، وَذَلِكَ عَلَى الْمُكْرِهِ دُونَ الْمُكْرَهِ عِنْدَ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ ، وَإِنْ تَوَعَّدَهُ بِالْحَبْسِ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ خَاصَّةً بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْمَالِ ، وَبِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْآدَمِيِّ خَطَأً .