إذا عرفنا هذا فنقول جناية عمد وخطأ وشبه عمد ، وقد يكون ذلك من الأحرار ، وقد يكون من المماليك ، وكذلك يكون على الأحرار تارة وعلى المماليك تارة ، وقد ذكرنا في كتاب الديات عامة أحكام هذه الأنواع إلا أنه ذكر في هذا الكتاب بعض ما لم يذكر هناك من الأحكام . القتل أنواع ثلاثة :
وفرع على بعض ما ذكرنا من الأصول هناك فبدأ الكتاب بجناية المدبر . وروي عن أن معاذ بن جبل رضي الله عنهما جعل أبا عبيدة بن الجراح على سيده وعن جناية المدبر أنه جعل جناية المدبر على مولاه وعن عمر بن عبد العزيز وعن إبراهيم عامر رضي الله عنهما قالا جناية المدبر على مولاه والمراد به ما يكون موجبا للمال من جنايته كالخطأ والعمد فيما دون النفس ، فأما ما يكون موجبا للقصاص فعلى الجاني خاصة ليس على المولى منه شيء ، والمراد بإيجاب القيمة على المولى بجناية المدبر لا بإيجاب الدية على المدبر ; لأن المدبر مملوك والمستحق بجناية المملوك نفسه يدفع بها إلا أنه بالتدبير السابق منع دفعه على وجه لم يصر مختارا ; لأنه ما كان يعلم أنه يجني ، ولو منعه بالتدبير بعد الجناية على وجه لم يصر مختارا بأن لم يكن عالما بالجناية كان عليه قيمته فكذلك إن منعه بتدبير قبل الجناية ، وهذه القيمة في مال المولى لا تعقله العاقلة ; لأن وجوبها بجناية مملوكه ووصلة الملك بين المملوك والمالك ، وهذه القيمة في ذمة المولى لا في ذمة المدبر ; لأن جناية القن لا تتعلق بذمته فكذلك جناية المدبر ، وعند كثرة قيمة المدبر لا يجب على المولى أكثر من عشرة آلاف إلا عشرة ; لأن قيمته بعد الجناية عليه لا تزيد على هذا المقدار فكذلك قيمته عند الجناية منه ويستوي جنايته على النفس وما دونها ; لأن فيما دون النفس الواجب على المولى الأقل من قيمته ومن أرش الجناية ; لأنه لو كان ما كان الواجب دفعه أو فداه بأرش الجناية ، فالقيمة هنا بمنزلة الدفع هناك إلا أن التخيير بين القليل والكثير في الجنسين مستقيم ، وفي جنس واحد لا يستقيم عليه لخلوه عن [ ص: 88 ] الفائدة فأوجبنا الأقل لهذا .