( الخامس ) في قال في النوادر ومن المجموعة قال تعزية المسلم بالكافر والكافر بالمسلم ، أو بالكافر ابن القاسم : ولا يعزى بأبيه الكافر يقول الله تعالى { ما لكم من ولايتهم من شيء } انتهى .
زاد سند بعد قول المجموعة { ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } : فمنعهم من الميراث وقد أسلموا حتى يهاجروا يريد أن المسلم إذا كان لا يعزى بالمسلم القريب لترك الهجرة فما الظن بالكافر وهو بعيد وهو أبعد وأسحق إلا أن ذلك خفيف إذا كان للمسلم به منفعة عظيمة في دنياه فيكون فقده مصيبة في حق المسلم من هذا الوجه ، وقد قال يعزى به وكما يعزى الذمي بالمسلم والذمي بالذمي قال في كتاب الشافعي ويعزى الذمي في وليه يقول : أخلف الله لك المصيبة وجزاه أفضل ما جزى به أحدا من أهل دينه قال ابن سحنون وإذا عزى ذميا بمسلم قال : غفر الله لميتك وأحسن عزاءك انتهى . الشافعي
وما عزاه لكتاب هو في النوادر بزيادة : إن كان له جوار ونصه : وفي كتاب ابن سحنون ويعزى الذمي في وليه إن كان له جوار يقول له : أخلف الله لك المصيبة وجزاه أفضل ما جزى به أحدا من أهل دينه انتهى . ابن سحنون
ومسألة تعزية المسلم بأبيه الكافر هي في العتبية أيضا في ثاني مسألة من رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب الجنائز وأطال ابن رشد الكلام عليها واختار تعزيته بها ونصه : وسئل عن مالك ؟ . الرجل المسلم يهلك أبوه وهو كافر أترى أن يعزى به فيقول : آجرك الله في أبيك
قال : لا يعجبني أن يعزيه يقول الله { ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } فلم يكن لهم أن يرثوهم وقد أسلموا حتى يهاجروا .
قال ابن رشد : ما ذهب إليه - رحمه الله - في هذه الرواية من أن المسلم لا يعزى بأبيه الكافر ليس بينا ; لأن التعزية تجمع ثلاثة أشياء وذكر الثلاثة الأشياء المتقدمة عنه في الكلام على التعزية في أول القولة ، ثم قال : والكافر يمنع في حقه الشيء الأخير لقول الله عز وجل { مالك : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } وليس منع الدعاء للميت الكافر والترحم عليه والاستغفار له بالذي يمنع من تعزية ابنه المسلم بمصابه به ; إذ لا مصيبة على الرجل أعظم من أن يموت أبوه الذي كان يحن عليه وينفعه في دنياه كافرا فلا يجتمع به في أخراه فيهون عليه المصيبة ويسليه منها ويعزيه فيها بمن مات للأنبياء الأبرار عليهم السلام من القرابة والآباء الكفار ويحضه على الرضا بقضاء الله ويدعو له بجزيل الثواب إلى الله ; إذ لا يمتنع أن يؤجر المسلم بموت أبيه الكافر إذا شكر الله وسلم لأمره ورضي بقضائه وقدره فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } ولم يفرق بين مسلم وكافر وهل يشك أحد في أن النبي صلى الله عليه وسلم أجر بموت عمه [ ص: 232 ] لا يزال المسلم يصاب في أهله وولده وحامته حتى يلقى الله وليست له خطيئة أبي طالب لما وجد عليه من الحزن والإشفاق وقد روي عن - رحمه الله - أن للرجل أن يعزي جاره الكافر بموت أبيه الكافر لذمام الجوار فيقول : أخلف الله لك المصيبة وجزاه أفضل ما جزى به أحدا من أهل دينه فالمسلم بالتعزية أولى وهو بذلك أحق وأحرى والآية التي احتج بها مالك منسوخة قال مالك عكرمة : أقام الناس برهة لا يرث المهاجري الأعرابي ولا الأعرابي المهاجري لقول الله عز وجل { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا }
فنزلت { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } فاحتج بالمنسوخ وذلك إنما يجوز على القول بأن الأمر إذا نسخ وجوبه جاز أن يحتج به على الجواز ، وفي ذلك بين أهل العلم اختلاف وبحث واعتلاله بامتناع الميراث ضعيف ; إذ قد يعزى الحر بالعبد وهما لا يتوارثان ولو استدل بقول الله عز وجل { المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } وبقوله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم } الآية لكان أظهر وإن لم يكن ذلك دليلا قاطعا للمعاني التي ذكرناها والله أعلم وبالله التوفيق . انتهى .
ونقله صاحب التوضيح وابن عرفة باختصار ونص ابن عرفة : وفي تعزية المسلم بأبيه الكافر قولان لابن رشد مع تخريجه على قول سحنون ومالك بتعزية الكافر بجوازه بأبيه وسماع ابن القاسم وعلى الأول قال يقول بلغني مصابك بأبيك ألحقه الله بأكابر أهل دينه وخيار ذوي ملته مالك يقول : أخلف الله لك المصيبة وجزاك أفضل ما جزى أحدا من أهل دينه . وسحنون
( قلت ) في الأول إيهام كون أهل ملته بعد هذه الملة في سعادة وإلا كان دعاء عليه ابن رشد : تعزية المسلم بأبيه الكافر بالدعاء له بجزيل الثواب في مصابه ويهون مصابه بمن مات للأنبياء من قريب وأب كافر لا بالدعاء للميت .
( قلت ) في التعزية بمن مات للأنبياء نظر انتهى كلام ابن عرفة واستفيد منه أن القولين إنما هما في تعزية المسلم بوليه الكافر .
الأول منهما أنه يعزى به وهو قول ابن رشد وتخريجه له على قول مالك في تعزية الكافر بوليه الكافر لجواره . وسحنون
والثاني أنه لا يعزى به وهو قول في سماع المذكور وأما المسألة المخرج عليها وهي تعزية الكافر بوليه الكافر بجواره ; فليس فيها إلا قول مالك مالك : إنه يعزى به وكلام الشيخ وسحنون زروق في شرح الإرشاد موافق لكلام ابن عرفة فإنه صدر في أول كلامه بتعزية الكافر في وليه ولم يحك فيه خلافا ، ثم حكى في آخر كلامه القولين في تعزية المسلم لوليه الكافر ونصه : ويعزى الكافر والحر والعبد والصغير والكبير ويعزى من النساء بالأم خاصة ولا يعزى مسلم بكافر على الأصح وقيل : يعزى ; لأن مصيبته بموته كافرا أعظم انتهى .
وتبع في التصحيح بعدم تعزيته صاحب الشامل ونصه : ويعزى من النساء بالأم خاصة لا مسلم بكافر على الأصح انتهى .
وظاهر كلام سند المتقدم أنه حمل قول ويعزى الذمي بوليه ; لأنه لا فرق فيه بين أن يكون وليه المعزى به مسلما ، أو كافرا ; لأنه إنما ذكر استحقاق تعزية المسلم بالكافر إذا كان للمسلم به منفعة عظيمة استدل على ذلك بتعزية الذمي بالمسلم وبالذمي انتهى . سحنون
واستشهد على ذلك بكلام كما تقدم في كلامه ولا يقال إن قوله وكما يعزى الذمي بالمسلم والذمي بالذمي من بقية قول سحنون بدليل أنه لم ينقل كيفية تعزيته به في آخر كلامه إلا عنه ; لأنه لو كان من بقية كلام الشافعي لقال : ويعزى به كما يعزى الذمي بالمسلم ، ولم يأت بالواو ولا يلزم من نقل كيفية تعزيته به عن الشافعي أن ذلك من تتمة كلامه ; لأنه لم ير نصا لأهل المذهب في كيفية تعزيته وقد تقدم أن التعزية لا تختص بلفظ من الألفاظ بل بقدر ما يحضر الرجل وبقدر منطقه فلما رأى النص في كيفيتها للشافعي نقل ذلك عنه وما تضمنه كلام الشافعي سند هو ظاهر إطلاق قول [ ص: 233 ] الشيخ زروق المتقدم حيث قال : ويعزى الكافر وهو ظاهر ; لأنه إذا عزي بوليه الكافر فلأن يعزى بوليه المسلم من باب أولى والله أعلم .
( فائدة ) قال في النوادر ناقلا عن غير ابن حبيب وقد أمر الله بالاسترجاع للمصاب فقال { الذين إذا أصابتهم مصيبة } الآية وهذا من الاستسلام لله والاحتساب ، وإنما المصيبة من حرم الثواب يريد فلم يبق له ما أسلف عليه ولا استفاد عوضا منه انتهى .
وقال الباجي في المنتقى في أوائله في شرح قوله صلى الله عليه وسلم { } لا يجب الاسترجاع عند المصيبة لقوله تعالى { من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله الذين إذا أصابتهم مصيبة } الآية وإنما يجب الرضا والتسليم انتهى .
وقال النووي في حديث الإفك عن رضي الله عنها لما ذكرت وصول عائشة إليها وهي نائمة : إنه استرجع ، فيه استحباب الاسترجاع عند المصائب سواء كانت في الدين ، أو في الدنيا سواء كانت في نفسه ، أو من يعز عليه انتهى صفوان بن المعطل