ش : قال في التوضيح المسفوح الجاري ، وغير المسفوح كالباقي في العروق وقال ابن فرحون كالباقي في محل التذكية وفي العروق وهو طاهر مباح الأكل على ظاهر المذهب انتهى وهو المشهور . وقيل : نجس وانظر ما مراده بالباقي في محل التذكية هل أثر الدم الذي في محل ذبح الشاة ، أو الدم الذي يبقى في محل نحر الشاة ويخرج بعد سلخها إذا طعنت فإن أراد الأول فهو نجس ; لأنه من ، وقد ذكر الدم المسفوح البرزلي خلافا بين المتأخرين في الرأس إذا شوطي بدمه هل يقبل التطهير أم لا ونقله ابن ناجي أيضا في شرح المدونة وفي كلام صاحب المدخل إشارة إلى ذلك ، وإن أراد الثاني فقد ذكر البرزلي في مسائل الصلاة عن بعض الإفريقيين أنه قال في الدم الذي يخرج من نحر الشاة بعد سلخها قولان قال كان يمضي لنا أنه بقية الدم المسفوح وجعله هنا من الخارج من العروق بعد خروج الدم المسفوح وهو خلاف في شهادة انتهى .
فتأمله . والذي يظهر أنه من بقية الدم المسفوح ، وأما ما ذكره ابن فرحون وصاحب التوضيح من أن الباقي في العروق غير مسفوح فقاله ابن بشير وغيره ولا إشكال فيه والخلاف فيه إنما هو إذا قطعت الشاة وظهر الدم بعد ذلك ، وأما لو شويت قبل تقطيعها فلا خلاف في جواز أكلها قاله اللخمي ونقله ابن عرفة وابن الإمام وغيرهم وقال ابن الحسن المشذالي في حاشيته على المدونة وقال إن ما تطاير من الدم من اللحم عند قطعه على الثوب والبدن فغسله مستحسن انتهى . أبو عمر
( تنبيهان الأول ) قد يفهم من قوله في التوضيح : " إن المسفوح هو الدم الجاري " أن ما لم يجر من الدم داخل في غير المسفوح وأنه طاهر ولو كان من آدمي ، أو ميتة ، أو حيوان حي وهو كذلك فقد قال اللخمي الدم على ضربين : نجس ومختلف فيه ، فالأول : دم الإنسان ودم ما لا يجوز أكله ودم ما يجوز أكله إذا خرج في حال الحياة ، أو في حين الذبح ; لأنه مسفوح واختلف فيما بقي في الجسم بعد الذكاة وفي دم ما ليس له نفس سائلة وفي دم الحوت انتهى .
فيفهم من كلام اللخمي أن دم الآدمي والحيوان الذي لا يؤكل والميتة نجس مطلقا سواء جرى ، أو لم يجر وهو ظاهر ويؤيد ذلك قول البساطي هنا مراد المصنف أن الدم الذي لم يجر بعد موجب خروجه شرعا فهو طاهر ، فخرج الدم القائم بالحي ; لأنه لا يحكم عليه بالطهارة ولا بالنجاسة والدم المتعلق بلحم الميتة وأنه نجس وما جرى عند الذكاة فإنه أيضا نجس .
( الثاني ) : الدم الذي يخرج من قلب الشاة إذا شق هل هو مسفوح ، أو غير مسفوح لم أر فيه نصا والذي يفهم من كلام البرزلي واللخمي أنه من غير المسفوح فتأمله .
ص ( ) ومسك
ش : المسك بكسر الميم وسكون السين قال فارسي معرب كانت الجوهري العرب تسميه المشموم قال النووي في تهذيب الأسماء وهو مذكر قال أبو حاتم فإن أنثه اللسان فعلى مذهب الذهب والغسل ; لأنك تقول مسك ومسكة كما تقول ذهبة حمراء وغسلة وأنشد في تأنيثه الجوهري
ومن أردانها المسك ينفح
وقال أراد الرائحة ، والمسك بفتح الميم وسكون السين جلد يقال : مسك ثور ، ومنه قول العرب غلام في مسك شيخ . وجمعه مسوك كفلس وفلوس وقول بعضهم : إن الجلد مسك بفتح الميم والسين خطأ وفي الحديث أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها مسكتان من ذهب بفتح الميم والسين ، الواحدة مسكة بفتحهما وهو سوار يتخذ من القرون والحديث يدل على أنه يتخذ من الذهب انتهى بالمعنى .( قلت : ) وهو الآن في الحجاز [ ص: 97 ] يتخذ من الذهب ولكنهم يقولون فيه مسكة بكسر الميم وسكون السين النحل ، والمسك بضم الميم وسكون السين البخل ، والمسك بضمهما البخل أيضا والمسك بفتح الميم وكسر السين البخل وفي الحديث : إن رجل مسيك قال أبا سفيان النووي والمحدثون يقولون بكسر الميم وتشديد السين قال صاحب المطالع إن أكثر المحدثين يكسر الميم ورواية المتقنين بفتح الميم وتخفيف السين ، وكذا هو لأبي بحر وللمستملي قال وبالوجهين قيدته عن أبي الحسن وبالكسر ذكره أهل اللغة قال النووي ورواية المحدثين صحيحة على هذه اللغة انتهى .
وحكي الإجماع على طهارته وحكى المازري عن طائفة قولا بنجاسته قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد وانظر هل يجوز أكله كاستعماله انظر ذلك فإني لم أقف فيه على شيء انتهى .
( قلت : ) لا ينبغي أن يتوقف في ذلك وهو كالمعلوم من الدين بالضرورة ، وكلام الفقهاء في باب الإحرام في أكل الطعام الممسك دليل على ذلك والله أعلم .
ص ( وفأرته )
ش : هي ويسمى النافحة واختلف في همزه فقيل الصواب عدمه ; لأنه من فار يفور لفوران ريحها ، وقيل : يجوز همزها ; لأنها على هيئة الفأرة قال الوعاء الذي يكون فيه المسك ابن مرزوق قال فارة المسك ميتة ويصلى بها ، وتفسير ذلك عندي أنها كخراج يحدث بالحيوان تجتمع فيه مواد ثم تستحيل مسكا ، ومعنى كونها ميتة أنها تؤخذ منه في حال الحياة أو بذكاة من لا تصح ذكاته من أهل أبو إسحاق الهند ; لأنهم ليسوا بأهل كتاب وإنما حكم لها بالطهارة - والله أعلم - لأنها استحالت عن جميع صفات الدم وخرجت عن اسمه إلى صفات واسم يختص بها فطهرت لذلك كما يستحيل الدم وسائر ما يتغذى به الحيوان من النجاسات إلى اللحم فيكون طاهرا انتهى .
وصرح بذلك ابن مرزوق بعد الكلام الذي نقله عن الشيخ ، وتتمة كلام ابن مرزوق وكما يستحيل الخمر إلى الخل طاهرا ، وكما يستحيل ما به من العذرة والنجاسة تمرا ، أو بقلا فيكون طاهرا وإنما لم تنجس فأرة المسك بالموت ; لأنها ليست بحيوان ولا جزء منه فتنجس بعذر الذكاة وإنما هي شيء يحدث في الحيوان كما يحدث البيض في الطير والله أعلم . لكن تشبيهه له بالبيض الذي يحدث في الطير يقتضي نجاسته إذا أخذ بعد الموت من الظبية فإن البيض الذي يخرج بعد الموت نجس كما تقدم فتأمله . ويظهر من إطلاق كلامهم طهارة المسك وفأرته ولو أخذت من الحيوان بعد موته والله أعلم . وقال الشافعية : إن انفصلت الفأرة بعد موت الظبية فهي نجسة .