ص ( وستة أذرع من الحجر )
ش : يعني أن ; لأن ذلك من من شرط صحة الطواف أن يخرج الطائف بجميع بدنه عن مقدار ستة أذرع من الحجر البيت ، كما ورد ذلك في الحديث الصحيح والحجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم هذا هو الصواب المعروف قال النووي وحكى بعضهم فتح الحاء وسمي حجرا لاستدارته ، وهو محوط مدور على صورة نصف دائرة خارج عن جدار الكعبة في جهة الشام ويقال : له الجدر بفتح الجيم وسكون الدال المهملة ، وهو من وضع الخليل عليه الصلاة والسلام ، وعلى ما ذكره الأزرقي في خبر رواه عن قال : وجعل أبي إسحاق إبراهيم عليه الصلاة والسلام [ ص: 72 ] الحجر إلى جانب البيت عريشا من أراك تقتحمه العنز ، وكان زربا لغنم إسماعيل عليه الصلاة والسلام ثم إن قريشا أدخلت فيه أذرعا من الكعبة ، كما سيأتي وقول المصنف : ستة أذرع بإثبات التاء في العدد ; لأن الذراع تذكر وتؤنث ، قال في الصحاح : ذراع اليد يذكر ويؤنث ، وتبع المصنف - رحمه الله - في التقييد بستة أذرع اللخمي ، وإن كان اللخمي لم يصرح في كتاب الحج بستة أذرع إلا أنه صرح في كتاب الصلاة بأن الذي من البيت في الحجر هو مقدار ستة أذرع ، وكلامه في كتاب الحج يقتضي أن ذلك القدر هو الذي يطلب الخروج عنه في الطواف ونصه : لا يطاف في الحجر ، وإن طاف فيه لم يجزه ، فإن الموضع الذي ينصرف الناس منه يلي البيت ، وهو من البيت فكأنما طاف ببعض البيت ، ولو تسور من الطرف لأجزأه ; لأنه ليس من البيت ، وليس بحسن له أن يفعل ذلك انتهى .
، وقد أسقط المصنف - رحمه الله - هنا ، وفي التوضيح والمناسك من كلام اللخمي قوله : وليس بحسن أن يفعل مع أن ذلك متعين ; لأن كلام المصنف يقتضي أنه لو فعل ذلك لم يكن فيه بأس وكلام اللخمي يقتضي أنه ليس بحسن ، وغير الحسن مكروه أو خلاف الأولى .
( قلت : ) وكلام أصحابنا المتقدمين يقتضي أنه لا يصح الطواف إلا من وراء الحجر جميعه قال في المدونة ، ولا يعتد بما ويبني على ما طاف خارجا منه ، وإن لم يذكر حتى رجع إلى بلده فليرجع ، وهو كمن لم يطف قال صاحب الطراز في شرح هذه المسألة : لأن الطواف إنما شرع بجميع طاف في داخل الحجر البيت إجماعا ، فإذا سلك في طوافه الحجر أو على جداره أو على شاذروان البيت لم يعتد بذلك ، وهو قول الجمهور انتهى .
فصرح بأنه أنه لا يعتد بذلك ، وقد تقدم كلامه في شرح مسألة الشاذروان ، وقال القاضي إذا طاف على جدار الحجر عبد الوهاب في المعونة ، ولا يجزئ الطواف داخل الحجر خلافا لقوله : صلى الله عليه وسلم { لأبي حنيفة البيت } ، وإذا ثبت أنه من الحجر من البيت لم يجز أن يطوف فيه لقوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } وذلك : يقتضي استيفاء جميعه ولأنه صلى الله عليه وسلم طاف خارج الحجر ، وقال { } واعتبارا بالطواف داخل : خذوا عني مناسككم البيت انتهى .
وقال في التلقين : ثم يطوف خارج الحجر ، وقال ابن عسكر في عمدته لما ذكر شروط الطواف وأن يطوف من وراء الحجر ، وقال ابن بشير : ولا يجزئ الطواف في الحجر فمن طاف فيه كان بمنزلة من طاف ببعض البيت ، وقال ابن شاس : الواجب الثالث : أن يكون بجميع بدنه خارجا عن البيت فلا يمشي على شاذروانه ، ولا في داخل الحجر ، فإن بعضه من البيت ، وقال لما ذكر واجبات الطواف : الثالث : أن يطوف خارجه لا في محوط الحجر ، ولا شاذروانه ، وقال ابن الحاجب ابن جزي الرابع : أن يكون بجميع بدنه خارجا عن البيت فلا يمشي على الشاذروان ، ولا على الحجر ، وذكر ابن عبد السلام كلام اللخمي بتمامه ، وعزاه لبعض المتأخرين ، ويشبه أنه جعله تقييدا ، وقال ابن عرفة في شروط الطواف : وكونه خارج البيت فلا يجزئ داخل الحجر ثم ذكر مسألة من ثم ذكر كلام ابتدأ من غير الحجر الأسود اللخمي بتمامه ، ولم ينبه على أنه تقييد لما قبله ، ولا خلاف ، وقال ابن مسدي في منسكه ، أما قولنا : ويطوف من وراء حجر إسماعيل فهو الإجماع ثم اختلفوا ، فقال أصحاب الرأي : يطوف من وراء الحجر استحبابا ، وقال جمهور العلماء بالوجوب استبراء ; لأن بعض الحجر من البيت مقدر غير معلوم العين ثم اتفقوا على أن من طاف ببناء البيت الظاهر ، ولم يدخل الحجر في طوافه أنه يعيد الطواف ما دام بمكة ثم اختلفوا ، فقال ، ومن تبعه : يعيد استحبابا ، وقال جمهور العلماء : يعيد وجوبا ; لأنه كمن لم يطف ، فإن لم يذكر حتى انصرف إلى بلاده فقال أبو حنيفة : هو كمن لم يطف ، وإليه ذهب ابن عباس مالك والشافعي وأبو ثور [ ص: 73 ] وأحمد بن حنبل وإسحاق وغيرهم من أهل العلم وقالوا : عليه أن يرجع من حيث كان يطوف من وراء الحجر انتهى . وداود
إذا علم ذلك فالذي يظهر من كلام أصحابنا المتقدمين أنه لا يصح الطواف في شيء من الحجر ، ولا على جداره ، وذلك - والله أعلم - على وجهين : الأول منهما : أنه قد اختلفت الروايات في الحجر ، فقال ابن جماعة الشافعي : قال إن الروايات اضطربت في الحجر ففي رواية أنه من ابن الصلاح البيت ، وفي رواية ستة أذرع من الحجر ، وفي أخرى ست أو نحوها ، وفي رواية خمسة ويروى قريب من تسع وكل هذه الروايات في الصحيح ، فإذا طاف في شيء من الحجر يكون في شك من أداء الواجب ، وفي صحيح البخاري من قول : من طاف ابن عباس بالبيت فليطف من وراء الحجر ( الثاني : ) أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالحجر ، وقال { } وهكذا فعل الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة ، ومن بعدهم قال خذوا عني مناسككم النووي في شرح المهذب : وذلك يقتضي وجوب الطواف من خارج الحجر سواء كان كله من البيت أو بعضه ; لأنه وإن كان بعضه من البيت فالمعتمد في باب الحج الاقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فوجب الطواف بجميعه انتهى .
( قلت : ) وهذا هو الظاهر من قول في المدونة : ولا يعتد بما طاف داخل الحجر ; لأن ذلك شامل لستة أذرع ، ولما زاد عليها ، وهو الذي يظهر من كلام أصحابنا ، كما تقدم ، والذي قاله مالك اللخمي - رحمه الله - إنما هو تفقه منه على عادته في اختياره لما يقتضيه الدليل والقياس ، وإن خالف المنصوص عن وقوله : وليس بحسن أن يفعل ذلك يدل على ذلك ، والله أعلم . مالك
وبما قاله اللخمي قال جماعة من الشافعية منهم إمام الحرمين وأبوه والبغوي وصححه الرافعي وبالقول الآخر قال جماهير الشافعية قال النووي ، وهو الصواب ، واحتج شيخ شيوخنا القاضي تقي الدين الفاسي المالكي في تاريخ مكة لما قاله اللخمي والرافعي بأن أفعاله صلى الله عليه وسلم في الحج منها ما هو واجب ، ومنها ما ليس بواجب ، فطوافه خارج الحجر ما يكون واجبا إلا بدليل ، ولا دليل إلا ما وقع في بعض رواية عائشة أن { البيت } ، وهي رواية مطلقة فتحمل على الروايات المقيدة ، ويحمل طوافه خارج الحجر ليزيل عن غيره مشقة الاحتراز عن تحرير الستة أذرع ونحوها ومشقة تسور جدار الحجر خصوصا للنساء ، ومثل ذلك يقال : في طواف الخلفاء ، ومن بعدهم فيكون الطواف هكذا مطلوبا منه متأكدا لا وجوبا لعدم نهوض الدلالة على الوجوب من طوافه صلى الله عليه وسلم ، فإن الحجر من الكعبة خصوصا على رواية سبعة أذرع ففي الجزم بفساد طوافه نظر كبير مما لا ينهض عليه دليل انتهى . خالف إنسان وتسور على جدار الحجر فطاف فيما ليس من
مختصرا وآخره باللفظ ( قلت : ) فيما قاله - رحمه الله - نظر ; لأن أفعاله صلى الله عليه وسلم محمولة على الوجوب حتى يدل دليل على الندب لا سيما في باب الحج قال النووي في شرح المهذب لما تكلم على اشتراط الطهارة في الطواف ثبت في صحيح مسلم من رواية جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر حجته { } قال أصحابنا في الحديث دليلان : أحدهما : أن طوافه صلى الله عليه وسلم بيان للطواف المجمل في القرآن الثاني : قوله : صلى الله عليه وسلم { لتأخذوا عني مناسككم } يقتضي وجوب كل ما فعله إلا ما قام دليل على عدم وجوبه انتهى . لتأخذوا عني
( قلت : ) ولا سيما في الطواف الذي ثبتت فرضيته بالقرآن مجملا ، ولم يعلم بيانه إلا من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فتحمل أفعاله فيه على الوجوب إلا ما دل دليل على عدم وجوبه كاستلام الحجر والاضطباع ، وقد استدل أئمة مذهبنا وغيرهم على وجوب كثير من أفعال الحج بفعله صلى الله عليه وسلم لذلك مع قوله : { } إذا علم ذلك فالذي يظهر - والله أعلم - وجوب الطواف من وراء محوط الحجر ، وإن طاف داخله يعيد طوافه ، ولو تسور [ ص: 74 ] الجدار وطاف وراء الستة الأذرع أو السبعة ، وهذا ما دام خذوا عني مناسككم بمكة ، فإن عاد إلى بلاده ، وكان طوافه من وراء الستة الأذرع فينبغي أن لا يؤمر بالعود مراعاة لمن يقول بالإجزاء ، كما تقدم في مسألة الشاذروان ، وقد تبع المصنف على التقييد بالستة الأذرع صاحب الشامل وغيره من المتأخرين ، وقد تبعتهم في المناسك التي كنت جمعتها ثم ظهر لي الآن خلاف ذلك ، والله أعلم بالصواب .
( تنبيهات الأول : ) قوله في المدونة قال : ويبني على ما طاف خارجا منه أبو إبراهيم الأعرج في طرره على التهذيب يعني يبني على الأشواط الكاملة ، أما بعض الشوط فلا نقله عنه التادلي وابن فرحون في منسكيهما ، ولم ينبه على ذلك أبو الحسن ، ولا صاحب الطراز ، ولا غيرهما من شراح المدونة فيما علمت والظاهر بأنه يبني على ما طاف خارجا عنه ، ولو كان بعض شوط إلا أن يريد أبو إبراهيم إذا لم يعلم بذلك في ذلك الشوط بل طاف بعده شوطا أو أشواطا ثم تذكر ، فإنه إنما يبني على الأشواط الكاملة ، وهو مراده ، والله أعلم .
( الثاني : ) قد تقدم في كتاب الصلاة أن في استقبال القبلة في الستة الأذرع قولين وتقدم أن الظاهر من القولين والراجح منهما : أنه لا يصح استقبالها ، فإن قيل : لا ينبغي أن يجري الخلاف في صحة الطواف فيها على ذلك الخلاف ، وإذا صححتم عدم الاستقبال فينبغي أن تصححوا الطواف فيها قلنا : أما على ما رجحناه هنا من منع الطواف به كله فلا يرد السؤال ; لأنا إنما منعناه لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، أما على ما قاله اللخمي وغيره فالجواب أنه احتيط في كل من البابين فمنعوا الصلاة فيه لعدم القطع ; لأنه من البيت ومنعوا الطواف فيه ; لأنه قد ثبت بحديث الصحيحين أنه من البيت