( مسألة ) جرت ، بل الظاهر أن ذلك كان من أول الإسلام ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفع المفتاح إلى عادة الشيبيين في زماننا وقبله بمدة طويلة بتقديم الأكبر منهم فالأكبر في السن في كون المفتاح عنده مع وجود ابن عمه عثمان بن طلحة كما تقدم ، وتقدم أيضا أنه لما مات شيبة بن عثمان عثمان ولي شيبة المفتاح ، بل الظاهر أن ذلك كان شأن ولاة البيت في الجاهلية ، قال في السيرة النبوية : فوليت ابن إسحاق خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم خليل بن حبشية الخزاعي والدحبي زوجة قصي الذي ورث منه مفتاح الكعبة على أحد الأقوال المروية [ ص: 328 ] وخلفه عليه أكبر بنيه عبد الدار ، فكان فيه ، وفي ولده إلى وقت فتح مكة فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم من عثمان بن طلحة بن أبي طلحة واسمه عبد الله بن عبد العزي بن عثمان بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري ورده إليه صلى الله عليه وسلم في يوم فتح مكة ، وفي كلام في رحلته ، وفي كلام ابن جبير الفاسي في عقده ما يقتضي اختلال هذه العادة ، ولعل ذلك لتعد من بعض الولاة أو لسبب اقتضى ذلك كما دل عليه كلامهما ، وقال الأزرقي في موضع من كتابه : فخرج إلى هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم وأقام ابن عمه عثمان بن طلحة فلم يزل يحجب هو وولده وولد أخيه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهب بن عثمان حتى قدم ولد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وولده مسافع بن طلحة بن أبي طلحة من المدينة وكانوا بها دهرا طويلا فلما قدموا حجبوا مع بني عمهم فولد جميعا يحجبون ، انتهى . أبي طلحة
فهذا الكلام يقتضي أنهم يحجبون جميعا وكأنه والله أعلم يشير به إلى ما جرت به عادتهم قديما وحديثا أنهم إذا فتحوا البيت جلسوا فيه ، وإن كان المتولي للفتح منهم هو الأكبر ، وإلى أنهم من أهل الحجابة ، فإن بني منعوا أولاد شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عثمان بن طلحة بن أبي طلحة من الحجابة كما نقل ذلك الفاكهي في تاريخ مكة ونصه : قال : حدثني قال : سمعت بعض المكيين يقول : إن عبد الله بن أحمد خرج إلى عثمان بن طلحة المدينة مهاجرا ودفع المفتاح إلى ابن عمه فلم يزل ولد شيبة بن عثمان ، شيبة يحجبون وولد عثمان بالمدينة ، فلما كان في خلافة أبي جعفر انتقل ولد عثمان إلى مكة فدفعهم ولد شيبة عن الحجابة فركبوا إلى أبي جعفر فأعلموه ، فكتب إلى يسأله ، فكتب إليه ابن جريج يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع المفتاح إلى ابن جريج عثمان فادفعه إلى ولده ، فدفعه إلى ولد عثمان فدفعوا ولد شيبة عن الحجابة ، فركبوا إلى أبي جعفر فأعلموه أن يشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ابن جريج خالدة تالدة لا يظلمكم عليها إلا ظالم ، وإن الحجابة إلى ولد أبي طلحة أبي طلحة } فكتب إلى عامله إن شهد خذوها يا بني بذلك ، فأدخل بني ابن جريج شيبة وولد في الحجابة ، فشهد أبي طلحة عند العامل على ذلك فجعل الحجابة لهم كلهم جميعا ، انتهى . ابن جريج
وانظر إذا اختلفوا هل يقضى لهم بما جرت به عادتهم من تقدم الأكبر فالأكبر أم لا ، وربما كان الأكبر غير مرضي الحال ، لم أر في ذلك نصا لأحد من العلماء .
( قلت ) والظاهر أنه يقضى لهم بذلك ، وإن كان الأكبر غير مرضي الحال فيجعل معه مشرفا ، أما القضاء لهم بما جرت به عادتهم فتشهد له مسائل ، من ذلك ما ذكره ابن بطال في مقنعه ونقله عنه ابن فرحون إنه أنهم يحملون على عادتهم ، ومن ذلك ما ذكره إذا جرت عادة ولاة الوقف على أمر في ترتيبه ولم يوجد له كتاب وقف ابن رشد في المقدمات فيمن حفر بئرا في صحراء : أنه أحق بها حتى تروي ماشيته ، قال : ولا تباع ولا تورث على وجه الملك إلا أن الورثة يتنزلون منزلة مورثهم في التبدئة ، قال : فإن تشاح أهل البئر في التبدئة ، فقد قال ابن الماجشون إن كانت لهم سنة من تقديم ذي المال الكثير أو قوم على قوم أو كبير على صغير حملوا عليها وإلا استهموا ، انتهى .
ولا شك أن أمر معمول به في الشريعة في أبواب متعددة من أبواب الفقه كمسألة القضاء بالعرف والعادة ، فما جرت العادة أنه للنساء حكم به المرأة ، وما جرت به العادة أنه للرجال حكم به للزوج ، وإذا كان في البلد سكك مختلفة ولم ينعقد النكاح والبيع على سكة معينة منها فيقضي بما جرت العادة بالتعامل به غالبا ، وإذا اختلاف الزوجين في متاع البيت فالأصل بقاؤه عند المشترى إلا إذا جرت العادة أن مثل تلك السلعة لا يذهب بها المشتري حتى يدفع الثمن فيحكم في ذلك بالعادة ، وإذا اختلفا في صحة البيع وفساده فالقول قول مدعي الصحة إلا إذا غلب الفساد في العادة فيحكم به ، وإذا اختلف المتبايعان في قبض الثمن ، ولم يكن شرط فيحكم بينهما بالعرف والعادة في ذلك ، وفي باب الأيمان مسائل من ذلك ، وقد ذكر اختلف المتآجران [ ص: 329 ] في تعجيل الأجرة ابن فرحون في الباب السابع والخمسين من تبصرته مسائل متعددة من ذلك وبقيت مسائل أخر غير ما ذكر والله أعلم .