ص ( ويديه بمرفقيه )
ش : هذه هي الفريضة الثانية وهي غسل اليدين مع المرفقين ، وهي ثانية أيضا بالكتاب والسنة والإجماع ، والمرفق بفتح الميم وكسر الفاء ، وبكسر الميم وفتح الفاء لغتان قرئ بهما وهو آخر عظم الذراع المتصل بالمفصل سمي بذلك لأن المتكئ يرتفق به إذا أخذ براحته رأسه متكئا على ذراعيه ، والباء في قوله بمرفقيه بمعنى مع أي وبهذا عبر غير واحد من أهل المذهب وعدلوا عن لفظ الآية إليها لبيان وجوب دخول المرفقين في الغسل وهذا هو المشهور ، وعليه فإلى في الآية بمعنى مع كقوله تعالى { الفريضة الثانية غسل اليدين مع المرفقين ، وإذا خلوا إلى شياطينهم } رحمهم الله { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } أو تقول : اليد حقيقة من الأصابع إلى المنكب على المشهور و " إلى " للغاية ، والغاية إذا كانت جزءا من المغيا فهي داخلة أو " إلى " غاية للمتروك أي اتركوا منها إلى المرافق وقيل : إن لفظة اليد مشتركة بين معان ثلاث : من الأصابع إلى الكوع ، ومن الأصابع إلى المرفق ، ومن الأصابع إلى آخر العضد ، وأنها مشتركة بين الكل والجزء وعلى هذا فيكون في الآية إجمال ، وإن قلنا : " إلى " بمعنى مع لاحتمال أن يريد غسل اليد إلى الكوع ثم يغسل المرفق ، ومثله يكون في كلام المصنف ومن شاركه في هذه العبارة والاعتماد في ذلك على ما بينته السنة ففي الصحيح عن { أبي هريرة } أنه غسل يديه حتى شرع في العضد . وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ
ومثله ما رواه عن البزار { وائل بن حجر } وفعله صلى الله عليه وسلم مبين فلما أدخل المرفقين دل على وجوب غسلهما وقيل : إن المرفقين غير داخلين في الوجوب وإنما عليه أن يبلغهما رواه أنه عليه الصلاة والسلام غسل يديه حتى جاوز المرفق ابن نافع عن وحكاه مالك اللخمي عن أبي الفرج ، وقيل يدخلان لا لأجلهما بل احتياطا ; لأن الواجب لا يتوصل إليه إلا بدخولهما وعزاه الباجي وغيره لأبي الفرج وعزاه اللخمي للقاضي عبد الوهاب وهو ظاهر قول الشيخ في الرسالة ، وإدخالهما أحوط لزوال تكلف التحديد لكن فسره ابن ناجي في شرح الرسالة بالاستحباب فيكون رابعا .
ص ( وبقية معصم إن قطع )
ش : المعصم بكسر الميم موضع السوار من اليد وربما أطلق على اليد . قاله في المحكم وهو الذي استعمله المصنف والمعنى أنه وجب غسل ما بقي منه بلا خلاف لقوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 192 ] { إذا قطع بعض محل الفرض } متفق عليه فإذا قطعت اليد من الكوع وجب غسل المعصم وإذا قطع بعض المعصم وجب غسل الباقي منه ، والكوع رأس الذراع مما يلي الإبهام ، والكرسوع بضم الكاف رأسه مما يلي الخنصر ، ويقال لكل منهما زند بفتح الزاي وهما زندان ، وقوله : إن قطع لا مفهوم له وإنما ذكره لبيان فرض المسألة إذ لا يقال : له بقية غالبا إلا إذا ذهب بعضه ولو قال : وبقية معصم قطع بدون إن لكان أخصر وأحسن ، وفي قوله بعد هذا : ككف بمنكب إشارة إلى ذلك وقد اعترض عليه إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم البساطي بأن مفهومه أنه لو خلق كذلك لم يجب غسله قال : وليس كذلك ( قلت ) والأمر في هذا قريب .
( فرع ) فلو قطعت اليد من المرفق قال : سقط يعني الفرض قال في المدونة : ويغسل ابن الحاجب موضع القطع وبقية الكفين إذ القطع تحتهما ، قال أقطع الرجلين في الوضوء ابن القاسم : قال تعالى { وأرجلكم إلى الكعبين } والكعبان اللذان إليهما حد الوضوء هما اللذان في الساقين ، ولا يغسل ذلك ; لأن المرفق في الذراعين وقد أتى عليهما القطع إلا أن تعرف أقطع المرفقين العرب والناس أنه بقي شيء من المرفقين في العضدين فيغسل موضع القطع وبقيتهما والتيمم مثله .
( تنبيهان الأول ) تعقب قوله في المدونة : وقد أتى عليهما القطع بأنه إن كان حدا لم يصل إليهما وإن كان قصاصا فلا اختصاص للجنابة بالمرفقين فقد يكون دونهما وأجاب ابن عرفة بأنه جواب لمسألة مفروضة ، ومراده بالعرب العرب الذين لم تغير طباعهم العجمية ، وبالناس العارفون بكلام العرب .
( الثاني ) قال ابن فرحون : قال الشيخ تقي الدين : ولفظ المدونة يشير إلى تردد عنده في حقيقة المرفق هل هو عبارة عن طرف الساعد أو عن مجمع طرفي الساعد والعضد لقوله إلا أن تعرف العرب ؟ قال : وفي قول فلو قطع المرفق سقط إجمالا وإذا أخذ على ظاهره فلا إشكال فيه ; لأنه إذا قطع ما يسمى مرفقا في نفس الأمر سقط الوجوب لسقوط محله ، وإنما تكلم الناس فيما إذا ابن الحاجب ؟ وأصل اختلافهم الاختلاف في منتهى المرفق ، هل هو طرف عظم الساعد وقد زال بالقطع فلا يغسل أو هو مجمع العظمات وقد بقي أحدهما فيغسل ؟ فكلام فصل عظم الذراع عن عظم العضد هل يجب عليه غسل العضد أم لا لا يفهم منه هذا الذي تكلم الناس فيه انتهى . وهذا الذي ذكره الشيخ ابن الحاجب تقي الدين ذكر أبو الحسن نحوه عن ابن سابق وهو غير معروف في المذهب ولهذا قال سند بعد أن ذكر عن الشافعية نحو ما ذكره : نقول قوله تعالى { إلى المرافق } لم يذكر المرافق إلا لامتداد الغسل إليهما سواء قلنا إلى ابتدائهما أو إلى استغراقهما ، وإنما وقع الخلاف في دخولهما في الغسل لا في وجوب مزيد عليهما .
والمرافق معروفة عند العرب وأهل اللغة وقد أجمعوا على أنها منتهى الذراعين فإذا خرج الذراع بنهايته فقد خرج المرفق قطعا إلا أن يزهق القاطع فيفصل بقية من المرفق فإنه يجب غسل ذلك ، وذلك معنى قول ابن القاسم إلا أن يكون بقي شيء من المرفقين في العضد يعرف ذلك الناس وتعرفه العرب فإن كان ذلك كذلك فليغسل ما بقي من المرفقين ثم قال : وما جاء في بعض الأخبار أنه إذا زاد الماء على مرفقيه فذلك لضرورة استيعاب المرفقين كما يمسك الصائم جزءا من الليل ، فصار ذلك من توابع المرفقين فإذا زال المرفقان سقط حكم توابعهما والله تعالى أعلم .
( فرع ) قال في الطراز : فلو وقع القطع دون المرفق فانكشطت جلدة وبقيت معلقة فإن تعلقت بالذراع أو بالمرفق وجب غسلها ; لأن أصلها من محل الفرض ، وإن جاوزت العضد إلى المرفق وبقيت متعلقة بالعضد لم يجب غسلها اعتبارا بأصلها فإنه لا يعد من الذراع وسيكون للذراع جلدة أخرى ، [ ص: 193 ] وكذلك إن قطعت من العضد وبلغت إلى المرفق أو الذراع وبقيت متدلية فيه وجب غسلها مع الذراع اعتبارا بأصلها وموضع استمداد حياتها . قال : وهذا التفريع للشافعية وهو جار على منهج الصواب إلا الفرع الأخير ففيه نظر ; لأن ما زاد على المرفق لم يكن واجبا من قبل ، وما لا يجب في أصل خلقته لا يصير واجبا انتهى .
وذكر أبو الحسن في الكبير عن ابن سابق شيئا من هذا .
( فرع ) قال في الطراز : فإن وقع القطع بعد الوضوء وقد بقي شيء من المرفق لم يجب غسل ذلك ولا مسحه خلافا ; لأن الخطاب كان متعلقا بظاهر اليد وقد أتى بما أمر به فلا يجب عليه طهر ثان إلا بوجود سبب أصل الطهارة انتهى مختصرا ، وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى عند قوله ولا يعيد من قلم ظفره . لابن جرير الطبري