( فرع ) ، قال عن ابن وهب في المجموعة مالك وغيره محدث ، وكرهه انتهى ، وقال في الطراز : التثويب بين الأذان والإقامة ليس بمشروع ولا يعرف إلا الأذان ، والإقامة فقط فأما دعاء في آخر الأذان غيرهما فلا ، واستحب : التثويب بين الأذان والإقامة في الفجر في رمضان أن يثوب في الصبح بين الأذان والإقامة ، وروى عنه أبو حنيفة أبو شجاع أنه قال : التثويب الأول في نفس الأذان يريد به " الصلاة خير من النوم " قال : والثاني بين الأذان والإقامة ، وروى من احتج له في ذلك { أن كان إذا أذن أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : حي على الصلاة حي على الفلاح يرحمك الله بلالا } ، وأنكر ذلك أصحاب ، ورووا أن الشافعي لما قدم عمر مكة جاء وقد أذن ، فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح ، فقال له أبو محذورة : ويحك أمجنون أنت ؟ ، ما كان في دعائك الذي دعوت ، ما نأتيك حتى تأتينا ولو كان سنة لم ينكره إمامنا عمر فقد أنكر ذلك ، وقال في العتبية ليس التثويب بصواب ، وروى عنه مالك ابن وهب وابن حبيب : أن التثويب بعد الأذان في الفجر في رمضان وفي غيره مكروه ، حتى روي عنه على ما في العتبية أنه قال : وتنحنح المؤذن في السحر في رمضان محدث وكرهه يريد أنهم كانوا يتنحنحون ليعلموا الناس بالفجر فيركعون فكره ذلك ورآه مما ابتدع ، قال : ولم يبلغني أن السلام على الإمام كان في الزمن الأول ، وذكر عن ابن المنذر الأوزاعي أنه حدث في عهد فكان المؤذن إذا أذن على الصومعة دار إلى الأمير ، واختصه بأذان ثان من حي على الصلاة إلى حي على الفلاح ، ثم يقول : الصلاة الصلاة يرحمك الله . معاوية
وأقر ذلك عمر بن عبد العزيز ولابن الماجشون في المبسوط جوازه وذكر في صفة التسليم أن يقول : " السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله " . قال وأما في الجمعة فيقول : السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته قد حانت الصلاة ، وعادة أهل المدينة تمنع من ارتكاب شيء من هذه المحدثات ، وقال بعض المتأخرين من أصحابنا في قول : التثويب ضلال أنه أراد حي على خير العمل وليس كما قال ، وإنما التثويب عند أهل العلم من أهل المذهب اسم لما ذكرناه ، وهو مأخوذ من ثاب إليه جسمه إذا رجع بعد المرض ، ومنه : { مالك وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } أي مرجعا يرجعون إليه في كل سنة وأصله من الإعلام يقال : ثوب إذا لوح بثوبه ، قاله انتهى . أكثره باللفظ ، وقال في الزاهي : ويدعو المؤذن سلطانه بأن يقول : السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله ، ويدور في الأذان ، والتثويب من الضلال انتهى . وهو نحو ما حكاه صاحب الطراز عن المبسوط ، ونقله الخطابي القرافي بلفظ التثويب بين الأذان والإقامة ، قال صاحب الطراز : هو عندنا غير مشروع وكلامه في العتبية هو في رسم صلاة الاستسقاء من سماع أشهب من كتاب الصلاة ، ولفظه : " وسئل عن التثويب في [ ص: 432 ] رمضان وغيره ، فقال : ليس ذلك بصواب وقد كان بعض أمراء المدينة أراد أن يصنع ذلك حتى نهي عنه فتركه ، وفسره ابن رشد بأن المراد به ما يقوله المؤذن بين الأذان والإقامة وروى : أنه دخل مع مجاهد مسجدا وقد أذن ونحن نريد أن نصلي فثوب المؤذن فخرج ابن عمر من المسجد ، وقال : اخرج بنا عن هذا المبتدع ولم يصل فيه ثم ذكر أنه قيل : إن التثويب هو قول المؤذن : حي على خير العمل ; لأنها كلمة زادها من خالف السنة من الشيعة ، ورجح التفسير الأول بأن التثويب في اللغة الرجوع إلى الشيء يقال : ثاب إلى عقله أي رجع ، وثوب الراعي أي : كرر النداء ، ومنه قيل : للإقامة تثويب ; لأنها بعد الأذان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عبد الله } وقد يقع التثويب على قول المؤذن في أذان الصبح " الصلاة خير من النوم " وقد روي عن إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها ، وأنتم تسعون قال : { بلال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تثويب في شيء من الصلاة إلا صلاة الفجر } .
وليس هذا التثويب الذي كرهه أهل العلم ; لأنه من سنة الأذان وبالله التوفيق انتهى " . وقال في التنبيهات : التثويب الرجوع فمن جعله قوله " الصلاة خير من النوم " فكأنه لما حث على الصلاة بقوله : حي على الصلاة ثم قال : حي على الفلاح عاد إلى الحث على الصلاة بقوله : " الصلاة خير من النوم " وقال بعضهم : التثويب هو المشعر بحضور الصلاة بعد الأذان انتهى . بالمعنى ، وقيل : إنما قيل لقول المؤذن : الصلاة خير من النوم تثويب ; لأنه تكرير لمعنى الحيعلتين ، وقيل : لتكريرها مرتين ، وقد ذكر البرزلي في أواخر مسائل الصلاة مسألة التثويب وأن التحضير المستعمل عندهم منه أعني قولهم : الصلاة حضرت ، وكذلك التأهيب للجمعة أعني قولهم : تأهبوا للصلاة ، وأنكر على من قال إن ذلك حرام ، وقال لم يقل بالتحريم أحد من علماء الأمة بل الناس فيه على مذهبين فمنهم من كرهه ، ومنهم من استحسنه وفي كلامه ميل إلى استحسان ذلك ، وكذلك التصبيح يعني قولهم : أصبح ولله الحمد ، وذكر كلام ابن سهل في ، وأنه حسن وذكر أيضا ما يفعل عندهم من البوق والنفير في المنار في التسحير في رمضان ، ومال إلى جواز ذلك وذكر أن بعض قيام المؤذن بالدعاء والذكر في آخر الليل القرويين أنكر ذلك ، وقال : إنه معصية في أفضل الشهور ، وأفضل الأماكن وأن قاضي القيروان كتب بذلك إلى ابن عبد السلام فأجابه : إن عاد إلى مثل هذا فأدبه ، وقال إنه تكلم مع شيخه ابن عرفة في ذلك ، وقال له : الصواب ما قاله الرجل إذ لم يجز البوق في الأعراس إلا فأجابه بأن قال : تلك البوقات المنكرة إلا في الأعراس لها لذة في النغمات ، وسماع الأصوات كما يقال في ابن كنانة الأندلس وأما هذه فأصوات مفزعة تفزع حتى الحمار .
وحاصل كلامه أن جميع ذلك أمور محدثة منها ما هو حسن كالذكر والدعاء في آخر الليل في المنار والتثويب ، والتأهيب ، والتصبيح ، ومنها ما هو جائز : كالأبواق والنفير ، وأنه ليس شيء منها حراما ، وأن غاية ما يقول المخالف فيها بالكراهة ، وقد تقدم في كلام الشيخ أبي عبد الله بن الحاج إنكار ذلك ، وإنكار الأبواق والظاهر من كلام كراهة ذلك كله . مالك
( قلت ) ومن هذا الباب ما يفعلونه بمكة قبل الأذان الثاني للصبح على سطح زمزم من قول المؤذن : الصلاة رحمكم الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إعلاما بطلوع الفجر ، ثم يقول المؤذن قبل الأذان الثاني على حزورة { إن الله فالق الحب والنوى } الآيات الثلاث ، ثم يقول : { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك } إلى آخر السورة فمن أجاز ما تقدم يجيز هذا ، ومن كرهه يكرهه ، وقد قال في المدخل : إن الإمام ينهى المؤذنين عما أحدثوه من قراءة { إن الله فالق الحب والنوى } وقوله تعالى : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } عند إرادتهم الأذان للفجر ، وإن كانت قراءة القرآن كلها بركة ، وخيرا لكن ليس لنا أن نضع العبادة [ ص: 433 ] إلا حيث وضعها صاحب الشرع صلوات الله وسلامه عليه انتهى .
وعن أبي الضياء : من المنكرات التي بالمسجد الحرام وذكر أن من مفاسده أن بعض الناس لا يتهيأ للصلاة إلا إذا سمعه ، وقد يدخل الإمام للصلاة قبله أو يدخل عقبيه بسرعة فتفوت الشخص الصلاة . الأذان الثاني على حزورة لسائر الصلوات
( قلت ) وفي جعله منكرا نظر ; لأن تعدد المؤذنين وترتيبهم مطلوب في غير المغرب كما سيأتي ، وأما ما ذكره من المفسدة فذلك لعدم ضبط المؤذن والإمام والله أعلم . نعم من المنكرات أذانهم على حزورة يوم الجمعة عند دخول الإمام إلى المسجد الحرام ، فإنه بدعة لا أصل لها كما يأتي بيانه في باب الجمعة ، والحزورة بالحاء المهملة على وزن قسورة هذا هو الصواب وبعض الناس يشدد الواو ، ويفتح الزاي ، والعامة يقولون : عزورة ، وهو غلط كان سوق مكة في الجاهلية وقد أدخل في المسجد الحرام