الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( الحادي عشر ) قال في الطراز : ويجوز الكلام والمؤذن يؤذن وقد كانت الصحابة تفعله ففي الموطإ : أنهم كانوا يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر بن الخطاب فإذا جلس على المنبر ، وأذن المؤذنون جلسنا نتحدث فإذا سكت المؤذن ، وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم أحد منا . وقوله : " ولو متنفلا لا مفترضا " يعني أن الحكاية مستحبة ، ولو كان الحاكي متنفلا وأما المفترض فلا يستحب له الحكاية ، وهذا مذهب المدونة ، وهو المشهور عن مالك يحاكيه فيهما ، وقاله ابن وهب ، وابن حبيب ، قال في مختصر الواضحة : لأنه تهليل وتكبير وذكر الله ، وهذا جائز للمصلي أن يقوله وإن لم يسمع أذانا ، وقال سحنون : ولا يحكيه فيهما .

                                                                                                                            ( تنبيهات : الأول ) إذا قلنا يحكيه في النافلة أو فيهما فإنما يحكيه إلى التشهدين ، ولو قلنا إن الحكاية في غير الصلاة إلى آخر الأذان ، قال في الطراز : إذا قلنا يتم معه الأذان ، ويحكيه في لفظ " الحيعلة " فذلك في غير صلاة فإن حكاه في الصلاة ، فهل تبطل ؟ يختلف فيه فقيل : تفسد ، حكاه عبد الحق في نكته ، وقال الأصيلي : لا تبطل ; لأنه متأول ، ومقتضى أصل المذهب بطلان صلاته ; لأنه تكلم فيها فيما لم يشرع جنسه فيها وما لا يعود إلى إصلاحها ولا ينفعه جهله ، والجاهل والعامد في أمر الصلاة سيان انتهى .

                                                                                                                            فإن قيل كلام صاحب الطراز إنما يدل على أن الذي يمنع منه حكاية " الحيعلة " بلفظها بدليل أنه حكى البطلان في صلاته ، ولا يمكن أن يقال ببطلان صلاة من قال في صلاته : لا حول ولا قوة إلا بالله ; لأنها ذكر فالجواب : إن أول كلامه يدل على ما قلنا ; لأن المطلوب في حكاية لفظ " الحيعلة " عند من قال بذلك أن يأتي بدلها " بالحوقلة " ولم أر من قال يحكيها بلفظها ، وأيضا فكلام ابن بشير وصاحب الجواهر والقرافي يدل على ما قلناه ، قال ابن بشير بعد أن حكى الأقوال الثلاثة : وإذا قلنا يحكيه في الصلاة فإنما يبلغ إلى آخر الشهادتين ، ولو قال في الصلاة : " حي على الصلاة " فإنه يبطلها وهذا إذا كان عمدا ، وأما الناسي فلا يبطلها ، والجاهل يجري على القولين في الجهل هل حكمه حكم العمد أو النسيان ؟ وقال في الجواهر : ثم حيث قلنا يحكي فلا يجاوز التشهدين ولو قال في الصلاة " حي على الصلاة " فقال الأصيلي : لا تبطل ، وحكى عبد الحق عن بعض القرويين : أنها تبطل ، وأنه كالمتكلم ، وحكى ذلك عن القاضي أبي الحسن انتهى .

                                                                                                                            وقال القرافي : إذا قلنا يحكيه في الفرض أو في النفل فقط ، ولا يتجاوز التشهدين فلو قال : " حي على الصلاة " ثم ذكر القولين وعلم من كلام ابن بشير أن العامد تبطل صلاته بلا خلاف ، وأن الناسي لا تبطل صلاته بلا خلاف ، وأن الخلاف في الجاهل والمشهور أنه كالعامد كما تقدم في كلام صاحب الطراز .

                                                                                                                            ( الثاني ) : إذا قلنا لا يحكيه في الفريضة فالظاهر أن ذلك مكروه ، قال في الطراز : وهل يحكيه بعد فراغه من الصلاة ؟ الظاهر أنه يحكيه كما يرد المؤذن السلام بعد فراغه [ ص: 449 ] انتهى . وجزم به في الذخيرة ، فقال : قال صاحب الطراز : إذا قلنا لا يحكيه في الفريضة حكاه بعد فراغها انتهى . والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) عورضت هذه المسألة بما في كتاب الاعتكاف أن المعتكف لا يصلي على جنازة ، وإن انتهى إليه زحام المصلين ، وفرق عبد الحق في تهذيب الطالب بأن صلاة الجنازة فرض كفاية فلم يسغ له أن يدخل نفسه في عمل لا يتوجه عليه بعينه ، وحكاية المؤذن تلزم كل أحد في خاصته وبأن الحكاية ذكر ، وهي من جنس ما يفعله في صلاته ، وصلاة الجنائز ليست من جنس ما المعتكف فيه وبأن الحكاية أمر قريب يسير وأمر الجنازة يطول الاشتغال فيه انتهى . بالمعنى من الشيخ أبي الحسن وعارض الشيخ أبو الحسن أيضا هذه المسألة بقوله في المدونة : إن المصلي إذا عطس لا يحمد الله فإن فعل ففي نفسه ، وقال : انظر ما الفرق بينهما ، ونقله ابن ناجي ولم يذكروا له فرقا فتأمله .

                                                                                                                            ( الرابع ) ، قال المشذالي في حاشية المدونة : قال ابن المنير في شرح البخاري : إذا قلنا يحكي في الفرض فلو كان الأذان للصلاة التي هو فيها ، وقد أذن لها ، فهل يشرع له أن يقول مثله أو لا ؟ والظاهر لا ; لأن من أذن لتلك الصلاة فقد أتى بالأكمل فلا معنى لطلب العوض ممن أتى بالمعوض ، قال المشذالي ( قلت ) لا خفاء في ضعف هذا التعليل ; لأن المزايا الشرعية لا غاية لها انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) هذا يجري على الخلاف الذي ذكر ابن ناجي عن التادلي في المؤذن هل يحكي مؤذنا غيره أم لا ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية