( لا ) وقد تكتب ثلاثة حروف إلا في المصحف فإنها ليست سجدة تلاوة وإن كان خلاف ظاهر حديث سجدة ( ص ) عمرو ( فإنها سجدة شكر ) لله تعالى للخبر الصحيح سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا أي على قبوله توبة نبيه داود صلى الله على نبينا وعليه وسلم [ ص: 206 ] من خلاف الأولى الذي ارتكبه غير لائق بعلى كماله لعصمته كسائر الأنبياء صلى الله عليهم وسلم عن وصمة الذنب مطلقا خلافا لما وقع في كثير من التفاسير مما كان الواجب تركه لعدم صحته بل لو صح وجب تأويله لثبوت عصمتهم ووجوب اعتقاد نزاهتهم عن ذلك السفساف الذي لا يقع من أقل صالحي هذه الأمة فكيف بمن اصطفاهم الله لنبوته وأهلهم لرسالته وجعلهم الواسطة بينه وبين خليقته فإن قلت ما وجه تخصيصداود بذلك مع وقوع نظيره لآدم وأيوب وغيرهما .
قلت وجهه والله أعلم أنه لم يحك عن غيره أنه لقي مما ارتكبه من الحزن والبكاء حتى نبت العشب من دموعه والقلق المزعج ما لقيه إلا ما جاء عن آدم لكنه مشوب بالحزن على فراق الجنة فجوزي بأمر هذه الأمة بمعرفة قدره وعلى قربه وأنه أنعم الله عليه نعمة تستوجب دوام الشكر من العالم إلى قيام الساعة وأيضا فما وقع له أن توبته من إضماره أن وزيره إن قتل تزوج بزوجته المقتضي للعتب عليه بإرسال الملكين له يختصمان عنده حتى ظن أنه قد فتن أي لعظم ذلك الإضمار الذي هو خلاف الأفضل فتاب منه مشابه لما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم في قصة زينب المقتضي للعتب عليه بقوله تعالى له { وتخفي في نفسك } الآية لما استويا في سبب العتب ثم تعويضهما عنه غاية الرضا كان ذكر قصة داود وما آلت إليه من علي النعمة مذكرا لقصة نبينا وما آلت إليه مما هو أرفع وأجل فاقتضى ذلك دوام الشكر بإظهار السجود له فتأمله واستفيد من قوله شكر أنه ينويه بها ولا ينافيه قولهم سببها التلاوة ؛ لأنها سبب لتذكر قبول تلك التوبة أي ولأجل هذا لم ينظر هنا لما يأتي في سجود الشكر من هجوم النعمة وغيره فهي متوسطة بين سجدة محض التلاوة وسجدة محض الشكر ( تستحب في غير الصلاة ) للخبر الصحيح { } . أنه صلى الله عليه وسلم قرأها على المنبر ونزل فسجد وسجد الناس معه
ويأتي في الحج أنها لا تفعل في الطواف ؛ لأنه يشبه الصلاة المحرمة هي فيها فلم تطلب فيما يشبهها وإنما لم تحرم فيه مثلها ؛ لأنه ليس ملحقا بها في كل أحكامها ( وتحرم فيها ) وتبطل ( في الأصح ) كسائر سجود الشكر وإن ضم لقصد الشكر قصد التلاوة كما هو ظاهر لأنه إذا اجتمع المبطل وغيره غلب المبطل [ ص: 207 ] ويفرق بين هذا وقصد التفهيم والقراءة أو الذكر بأن قصد التفهيم ثم عارض للفظ فلم يقو على البطلان إلا إذا لم ينضم له ما يضاده مما هو موافق لمقتضى اللفظ بخلاف السجدة هنا فإنها من حيث هي لا تختص بتلاوة ولا شكر فأثر قصد المبطل بها وإنما تبطل إن تعمد وعلم التحريم وإلا فلا ويسجد للسهو ، ولو سجدها إمامه الذي يراها لم تجز له متابعته بل له أن ينتظره وأن يفارقه فإن قلت ينافيه ما يأتي أن العبرة باعتقاد المأموم قلت لا منافاة لأن محله فيما لا يرى المأموم جنسه في الصلاة ومن ثم قالوا يجوز الاقتداء بحنفي يرى القصر في إقامة لا نراها نحن ؛ لأن جنس القصر جائز عندنا وبهذا اتضح ما في الروضة من عدم وجوب المفارقة وأما قولها إنه لا يسجد للسهو ؛ لأن . المأموم لا يسجد لسهو نفسه
فمعناه أنه لو سلم أن هذا سهو نظرا إلى أنه انتظر من ليس في صلاة في عقيدته لولا ما قررته كان غير مقتض للسجود ؛ لأن الإمام تحمله نعم يسجد لسجود إمامه كما علم مما قالوه في ترك إمامه الحنفي للقنوت ؛ لأنه لما أتى بمبطل في اعتقاد المأموم واغتفر لما مر كان بمنزلة الساهي وتعليل الروضة المذكور مشير لهذا فلا اعتراض عليها خلافا للإسنوي وغيره فتأمله