الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قصة أصحاب الرس

            جاء ذكر أصحاب الرس في القرآن الكريم في قوله تعالى: وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا [الفرقان: 38]، وفي قوله تعالى: كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود [ق: 12].

            وقد اختلف المؤرخون في أصحاب الرس من يكونون فمال بعضهم إلى أنهم أصحاب الأخدود، وقال بعضهم أنهم أهل قرية من قرى ثمود، وقيل: بئر بأذربيجان، وقيل: بئر رسوا فيها نبيهم أي دفنوه فيها، وقيل: هم أصحاب ياسين.

            وقد ذكر أبو بكر محمد بن الحسن النقاش ، أن أصحاب الرس كانت لهم بئر ترويهم ، وتكفي أرضهم جميعها ، وكان لهم ملك عادل حسن السيرة ، فلما مات وجدوا عليه وجدا عظيما ، فلما كان بعد أيام تصور لهم الشيطان في صورته ، وقال: إني لم أمت ، ولكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم . ففرحوا أشد الفرح ، وأمر بضرب حجاب بينهم وبينه ، وأخبرهم أنه لا يموت أبدا، فصدق به أكثرهم ، وافتتنوا به ، وعبدوه ، فبعث الله فيهم نبيا ، وأخبرهم أن هذا شيطان يخاطبهم من وراء الحجاب ، ونهاهم عن عبادته ، وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له . قال السهيلي : وكان يوحى إليه في النوم ، وكان اسمه حنظلة بن صفوان ، فعدوا عليه فقتلوه ، وألقوه في البئر ، فغار ماؤها، وعطشوا بعد ريهم ويبست أشجارهم ، وانقطعت ثمارهم ، وخربت ديارهم ، وتبدلوا بعد الأنس بالوحشة ، وبعد الاجتماع بالفرقة ، وهلكوا عن آخرهم ، وسكن في مساكنهم الجن والوحوش ، فلا يسمع ببقاعهم إلا عزيف الجن ، وزئير الأسد ، وصوت الضباع.

            أصحاب ياسين

            جاء ذكر قوم ياسين في القرآن في سورة يس في قوله تعالى: واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم أإن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون إني إذا لفي ضلال مبين إني آمنت بربكم فاسمعون قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين

            وذلك أن المسيح عليه السلام أرسل اثنين من حواريه إلى هذه القرية، -يقال هي أنطاكية-، فكذبهما أهلها فأرسل إليهم شمعون أحد كبار الحواريين، وقد اختلفت الرواية فمنهم من قال إنه دخل متخفيا واختلط بأهل القرية وحاشية الملك حتى أدناه الملك وأصبح من خواصه فدعاه إلى الله وإلى أن يسمع من الحواريين الذين أرسلهما المسيح عليه السلام فسمع ورأى من الآيات الباهرات من شفاء المرضى وإحياء، فأسلم وآمن طائفة من قومه معه، وثمة رواية أخرى تقول: بأن الملك لم يسلم بل قتل الرسل وذلك حينما دعوه إلى الله سبحانه، وقد وافق ذلك بأن منعوا المطر فتشاءم القوم وهموا بهم فجاء من أقصى المدينة رجل يسعى كان قد آمن بهم لما رأى من الآيات الباهرات من شفاء المرضى والخير والبركة، ويقال: إن اسمه حبيب النجار، فدعى الناس إلى الإيمان بالرسل فقتلوه، فأدخله الله الجنة فقال: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين

            التالي السابق


            الخدمات العلمية