الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            خلق الجان

            قال الله تعالى : خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار فبأي آلاء ربكما تكذبان [ الرحمن : 14 - 16 ] . وقال تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم [ الحجر : 26 - 27 ] . وقال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن ، وغير واحد من مارج من نار . قالوا : من طرف اللهب ، وفي رواية : من خالصه وأحسنه . وقد ذكرنا آنفا من طريق الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم . رواه مسلم . قال كثير من علماء التفسير : خلقت الجن قبل آدم عليه السلام ، وكان قبلهم في الأرض الحن والبن ، فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم ، وأجلوهم عنها وأبادوهم منها ، وسكنوها بعدهم بسبب ما أحدثوا . أنواع الجن والجن ثلاثة أنواع: جان ، وجن ، وشياطين ، ولا خلاف أن الكل خلقوا قبل آدم .

            فأما الجان: ففيه ثلاثة أقوال ، أحدها: أنه أبو الجن ، رواه أبو صالح ، والضحاك عن ابن عباس ، وهو مخلوق من نار . وروى عكرمة ، عن ابن عباس ، قال: كان أبو الجن اسمه سوما ، فقال الله له: تمن ، فقال: أتمنى أن نرى ولا نرى ، وأن نغيب في الثرى ، وأن يصير كهلنا شابا ، فأعطي ذلك ، فإن الدهر ليمر على إبليس فيهرمه ثم يصبح ، وهو ابن ثلاثين سنة .

            والثاني: أن الجان هو الاثنين ، قاله الحسن ، وعطاء ، وقتادة ، ومقاتل .

            والثالث: أن الجان مسيخ الجن .

            فعن ابن عباس ، قال: الجان مسيخ الجن ، كما أن القردة والخنازير مسيخ الإنس .

            وأما الشياطين: فكل متجبر عات من الجن . وهو مأخوذ من شطن أي بعد عن الخير وقيل بعد غوره في الشر . وكذلك المارد والعفريت .

            وقد روى الضحاك ، عن ابن عباس ، قال: الشياطين ولدان إبليس لا يموتون إلا مع إبليس .

            والجن: يموتون ، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر .

            وقال السدي : في الجن شيعة وقدرية ومرجئة .

            قال عبد الله بن عمرو بن العاص : خلق الله الجن قبل آدم بألفي سنة .

            وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الغيلان ، فقال: "هي شجرة الجن" .

            وقيل عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إن الغيلان تتحول عن خلقها ، فقال: إنه ليس شيء يتحول عن خلقه ، ولكن لهم سحرة كسحرتكم ، فإذا أحسستم من ذلك شيئا فأذنوا .

            وروى أبو الدرداء ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، قال: "خلق الله الجن على ثلاثة أصناف ، صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض ، وصنف كالريح في الهواء ، وصنف عليهم الحساب والعقاب .

            وخلق الإنس على ثلاثة أصناف: صنف لهم قلوب لا يعقلون بها ، وصنف أجسادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أرواح الشياطين ، وصنف في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله"
            .

            والمقصود أن الجان خلقوا من النار ، وهم كبني آدم يأكلون ويشربون ويتناسلون ، ومنهم المؤمنون ومنهم الكافرون كما أخبر تعالى عنهم في سورة الجن ، وفي قوله تعالى : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين [ الأحقاف : 29 - 32 ] . وقال تعالى : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا [ الجن : 1 - 17 ] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية