فلما أتم الله خلق آدم أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس .
استكبر وكان من الكافرين . فقال الله له : يا إبليس ما منعك أن تسجد إذ أمرتك ؟ قال : أنا خير منه لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين ، فلم يسجد كبرا ، وبغيا ، وحسدا . فقال الله له : يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي إلى قوله : لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين . قياس إبليس لعنه الله قال الحسن البصري : قاس إبليس ، وهو أول من قاس . وقال محمد بن سيرين : أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس . رواهما ابن جريج . ومعنى هذا أنه نظر نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له ، مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود ، والقياس إذا كان مقابلا بالنص كان فاسد الاعتبار ، ثم هو فاسد في نفسه فإن الطين أنفع وخير من النار فإن الطين فيه ; الرزانة ، والحلم ، والأناة ، والنمو ، والنار فيها ; الطيش ، والخفة ، والسرعة ، والإحراق . ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده ، ونفخه فيه من روحه ، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له. فلما فرغ من إبليس ومعاتبته ، وأبى إلا المعصية ، وأوقع اللعنة ، وأيأسه من رحمته وجعله شيطانا رجيما ، وأخرجه من الجنة .
وقال الشعبي : أنزل إبليس مشتمل الصماء عليه عمامة أعور في إحدى رجليه نعل .
وقال حميد بن هلال : نزل إبليس مختصرا فلذلك كره الاختصار في الصلاة ، ولما أنزل قال : يا رب ، أخرجتني من الجنة لأجل آدم ، وإني لا أقوى عليه إلا بسلطانك . قال : فأنت مسلط . قال : زدني . قال : لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله . قال : زدني . قال : صدورهم مساكن لك ، وتجري منهم مجرى الدم . قال : زدني . قال : أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم .
قال آدم : يا رب ، قد أنظرته ، وسلطته علي ، وإنني لا أمتنع منه إلا بك . قال : لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء . قال : يا رب ، زدني . قال : الحسنة بعشر أمثالها ، وأزيدها ، والسيئة بواحدة ، وأمحوها . قال : يا رب ، زدني . قال : ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا قال : يا رب ، زدني . قال : التوبة لا أمنعها من ولدك ما كانت فيهم الروح . قال : يا رب ، زدني . قال : أغفر ولا أبالي . قال : حسبي .
ثم قال الله لآدم : إيت أولئك النفر من الملائكة فقل السلام عليكم . فأتاهم فسلم عليهم ، فقالوا له : وعليك السلام ورحمة الله . ثم رجع إلى ربه فقال : هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم . فلما امتنع إبليس من السجود وظهر للملائكة ما كان مستترا عنهم علم الله آدم الأسماء كلها . وقال عمر بن عبد العزيز : لما أمر الله -عز وجل- الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام . أول من سجد له إسرافيل ، فأثابه الله بأن كتب القرآن في جبهته
وعن ابن عباس ، و ابن مسعود أنهما قالا : لما فرغ الله تعالى من خلق ما أحب استوى على العرش ، فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا ، وكان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن ، وإنما سموا الجن لأنهم من خزنة الجنة . وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في نفسه كبر ، وقال : ما أعطاني الله تعالى هذا الأمر إلا لمزية لي على الملائكة . فاطلع الله على ذلك منه فقال : إني جاعل في الأرض خليفة .
قال ابن عباس : وكان اسمه عزازيل ، وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما ، فدعاه ذلك إلى الكبر . وهذا قول ثالث في سبب كبره .
وروى عكرمة ، عن ابن عباس أن الله تعالى خلق خلقا ، فقال : اسجدوا لآدم ، فقالوا : لا نفعل . فبعث عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق خلقا آخر ، فقال : إني خالق بشرا من طين ، فاسجدوا لآدم . فأبوا ، فبعث الله تعالى عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق هؤلاء الملائكة ، فقال : اسجدوا لآدم . قالوا : نعم . وكان إبليس من أولئك الذين لم يسجدوا .
وقال شهر بن حوشب : إن إبليس كان من الجن الذين سكنوا الأرض ، وطردتهم الملائكة ، وأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء .
وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كما قال الله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه وجائز أن يكون فسوقه من إعجابه بنفسه لكثرة عبادته ، واجتهاده ، وجائز أن يكون لكونه من الجن .