الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قتل قابيل أخاه هابيل قال الله تعالى : واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال ياويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين [ المائدة : 27 - 31 ] . وأهل العلم مختلفون في اسم قابيل ، فبعضهم يقول : قين ، وبعضهم يقول : قائين ، وبعضهم يقول قاين ، وبعضهم يقول : قابيل .

            الاختلاف في سبب قتل قابيل هابيل واختلفوا أيضا في سبب قتله ،

            فروى السدي عن أشياخه ، قال: كان لا يولد لآدم مولود إلا ومعه جارية ، وكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر ، وجارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر . حتى ولد له قابيل وهابيل ، وكان قابيل صاحب زرع ، وهابيل صاحب ضرع ، وكان قابيل الأكبر ، وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل ، وطلب هابيل أن ينكح أخت قابيل ، فأبى عليه ، وقال: هي أحسن من أختك ، وأنا أحق أن أتزوجها ، فأمره آدم أن يزوجه إياها ، فأبى .

            فقربا قربانا ، وكان آدم قد ذهب إلى مكة ، فقال آدم للسماء: احفظي ولدي بالأمانة ، فأبت ، وقال للأرض ، فأبت ، وقال للجبال فأبت ، فقال لقابيل ، فقال: نعم ، ترجع فتجد أهلك كما يسرك .

            فلما انطلق [ آدم ] قربا قربانا ، قرب هابيل جذعة سمينة ، وقرب قابيل حزمة سنبل ، فنزلت فأكلت قربان [هابيل] وتركت قربان قابيل ، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي قال هابيل : إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إلى قوله فطوعت له نفسه قتل أخيه فاتبعه وهو في ماشيته فقتله ، فهما اللذان قص الله خبرهما في القرآن ، فقال : واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر إلى آخر القصة . فلما قتله سقط في يده [لا يدري] كيف يدفن ، إلى أن بعث الله غرابين فاقتتلا ، فقتل أحدهما الآخر ثم حفر له ثم حثا عليه ، فقال حينئذ: أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب .

            وعن ابن عباس ، قال: كان لآدم أربعة أولاد توأم ذكر وأنثى من بطن [وذكر وأنثى من بطن] ، فكانت أخت صاحب الحرث وضيئة ، وكانت أخت صاحب الغنم قبيحة ، فقال صاحب الحرث: أنا أحق بها ، وقال صاحب الغنم: ويحك أتريد أن تستأثر بوضاءتها علي ، تعالى حتى نقرب قربانا ، فإن تقبل قربانك كنت أحق بها ، وإن تقبل قرباني كنت أحق بها . قال: فقربا قربانيهما ، فجاء صاحب الغنم بكبش أعن أقرن أبيض ، وجاء صاحب الحرث بصبرة من طعامه ، فقبل الكبش فجعله الله في الجنة أربعين خريفا ، وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم ، فقال صاحب الحرث: لأقتلنك ، فقتله ، فولد آدم كلهم من ذلك الكافر .

            وقد ذكر ابن إسحاق عن بعض أهل الكتاب : أن قابيل كان يفتخر على هابيل ويقول: أنا وأختي من ولادة الجنة ، فامتنع من تزويجه فقتله بعد هذا .

            وروى العوفي ، عن ابن عباس : أنهما قربا قربانا تطوعا لأجل المرأة فلم يتقبل قربان قابيل ، فغضب وقتل أخاه ، وقال: لا ينظر الناس إلي وإليك وأنت خير مني .

            وقد روينا عن الحسن أن ابني آدم هذين من بني إسرائيل ولم يكونا من صلب آدم ، وإن أول من مات آدم .

            وفي هذا بعد ، فإنا قد ذكرنا أن حواء لم يكن لها ولد ، فسمت ولدها عبد الحارث ، ويقال إن أول من مات آدم .

            وعن عبد الله ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها" ، لأنه كان أول من سن القتل .

            أخرجاه في الصحيحين .

            وذكر في التوراة: أن هابيل قتل وله عشرون سنة ، وكان لقابيل يومئذ خمس وعشرون سنة .

            وعن ابن عباس ، قال: لما قتل ابن آدم أخاه ، قال آدم عليه السلام :


            تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح     تغير كل ذي طعم ولون
            وقل بشاشة الوجه الصبيح     قتل قابيل هابيلا أخاه
            فوا حزنا مضى الوجه المليح

            فأجابه إبليس لعنه الله:


            تنح عن البلاد وساكنيها     بنى في الخلد ضاق لك الفسيح
            وكنت بها وزوجك في رخاء     وقلبك من أذى الدنيا مريح
            فما انفكت مكايدتي ومكري     إلى أن فاتك الثمن الربيح
            فلولا رحمة الجبار أضحى     بكفك من جنان الخلد ريح

            هروب قابيل إلى اليمن ثم إن قابيل [بعد أن] قتل أخاه هرب إلى اليمن وشاع في أولاده الزنا وشرب الخمر والفساد ، فأوصى آدم أن لا ينكح بنو شيث بني قابيل ، فجعل بنو شيث آدم في مغارة وجعلوا عليه حافظا لا يقربه أحد من بني قابيل . وكان الذين يأتونه ويستغفر لهم بنو شيث ، فقال مائة من بني شيث صباح: لو نظرنا ما فعل عمنا . يعنون بني قابيل ، فهبطت المائة إلى نساء من بني قابيل فاحتبسوهن ، ثم قال مائة أخرى: لو نظرنا ما فعل إخوتنا فهبطوا فاحتبسهم النساء ثم هبط بنو شيث كلهم فجاءت المعصية ، فكثر بنو قابيل حتى ملئوا الأرض ، وهم الذين غرقوا أيام نوح .

            وعن ابن مسعود ، وابن عباس قالا: لما كثر بنو آدم دعت عليهم السماء والأرض والجبال والملائكة: ربنا أهلكهم ، فأوحى الله تعالى إلى الملائكة: أني لو أنزلت الشيطان والشهوة فيكم منزلتهما من بني آدم لفعلتم كما يفعلون ، فحدثوا أنفسهم بأنهم إن ابتلوا سيعتصمون ، فأوحى الله إليهم أن اختاروا من أفضلكم ملكين ، فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض حكمين ، وهبطت الزهرة في صورة امرأة . وأهل فارس يسمونه بيدخت ، وكان الملائكة قبل ذلك يستغفرون للذين آمنوا ، فلما وقعا في الخطيئة استغفروا لمن في الأرض . وقد ذكر مجاهد : أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه ، فعلقت ساقه إلى فخذه ، وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت تنكيلا به وتعجيلا لذنبه وبغيه وحسده لأخيه لأبويه . وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم .

            والذي رأيته في الكتاب الذي بأيدي أهل الكتاب الذين يزعمون أنه التوراة : أن الله عز وجل أجله وأنظره ، وأنه سكن في أرض نود في شرقي عدن ، وهم يسمونه قينا ، وأنه ولد له خنوخ ، ولخنوخ عندر ، ولعندر محواويل ، ولمحواويل متوشيل ، ولمتوشيل لامك ، وتزوج هذا امرأتين عدا وصلا ، فولدت عدا ولدا اسمه أبل وهو أول من سكن القباب واقتنى المال ، وولدت أيضا توبل وهو أول من أخذ في ضرب الونج والصنج ، وولدت صلا ولدا اسمه توبلقين وهو أول من صنع النحاس والحديد ، وبنتا اسمها نعمى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية