الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قال علماء السير: لما رأى إخوة يوسف شدة محبة يعقوب له ، وإقباله عليه حسدوه وعظم عندهم .

            ثم إن يوسف رأى في منامه كأن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر تسجد له ، فقصها على أبيه ، وكان عمره حينئذ اثنتي عشرة سنة . فقال له أبوه : يابني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين . ثم عبر له رؤياه . فقال وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث .

            وسمعت امرأة يعقوب ما قال يوسف لأبيه فقال لها يعقوب : اكتمي ما قال يوسف ولا تخبري أولادك . قالت : نعم . فلما أقبل أولاد يعقوب من الرعي أخبرتهم بالرؤيا ، فازدادوا حسدا وكراهة له ، وقالوا : ما عنى بالشمس غير أبينا ، ولا بالقمر غيرك ، ولا بالكواكب غيرنا ، إن ابن راحيل يريد أن يتملك علينا ويقول أنا سيدكم . وتآمروا بينهم أن يفرقوا بينه وبين أبيه ، وقالوا : ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين في خطإ بين في إيثارهما علينا اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين أي تائبين .

            فقال قائل منهم ، وهو يهودا ، وكان أفضلهم وأعقلهم : لا تقتلوا يوسف فإن القتل عظيم ، ( وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة ) ، وأخذ عليهم العهود أنهم لا يقتلونه ، فأجمعوا عند ذلك أن يدخلوا على يعقوب ويكلموه في إرسال يوسف معهم إلى البرية ، وأقبلوا إليه ووقفوا بين يديه ، وكذلك كانوا يفعلون إذا أرادوا منه حاجة ، فلما رآهم قال : ما حاجتكم ؟ قالوا ياأبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون نحفظه حتى نرده أرسله معنا إلى الصحراء غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون . فقال لهم يعقوب : إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون لا تشعرون ، وإنما قال لهم ذلك لأنه كان رأى في منامه كأن يوسف على رأس جبل وكأن عشرة من الذئاب قد شدوا عليه ليقتلوه ، وإذا ذئب منها يحمي عنه ، وكأن الأرض انشقت فذهب فيها فلم يخرج منها إلا بعد ثلاثة أيام ، فلذلك خاف عليه الذئب .

            فقال له بنوه : لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون . فاطمأن إليهم ، فقال يوسف : يا أبت أرسلني معهم ، قال : أو تحب ذلك ؟ قال : نعم . فأذن له ، فلبس ثيابه وخرج معهم وهم يكرمونه ، فلما خرجوا به إلى البرية أظهروا له العداوة ، وجعل هذا يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل يصيح: يا أبتاه ، يا يعقوب لو تعلم ما يصنع بابنك ، فألقوه في الجب ، فجعلوا يدلونه فيتعلق بشفير البئر ، فربطوا يديه ونزعوا قميصه ، فقال: يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به في الجب ، فقالوا: ادع الشمس والقمر والكواكب [تؤنسك] . فألقوه في الماء ، فآوى إلى الصخرة في الجب ، ثم أرادوا أن يرضخوه بصخرة ، فمنعهم يهوذا ، وقال: قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه ، وكان يهوذا يأتيه بالطعام ثم أوحى الله إليه : لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون بالوحي ، وقيل لا يشعرون أنه يوسف .

            والجب بأرض بيت المقدس معروف .

            ثم عادوا إلى أبيهم عشاء يبكون فقالوا : ياأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب . فقال لهم أبوهم : بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل . ثم قال لهم : أروني قميصه . فأروه . فقال : تالله ما رأيت ذئبا أحلم من هذا ! أكل ابني ولم يشق قميصه ! ثم صاح وخر مغشيا عليه ساعة ، فلما أفاق بكى بكاء طويلا فأخذ القميص يقبله ويشمه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية