الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ملخص قصة موسى الكليم عليه الصلاة والسلام

            هو نبي الله موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، عليهم السلام، وقد جاء بعد إبراهيم الخليل عليه السلام بألف سنة،

            ما زال بنو إسرائيل منذ يوسف عليه السلام يسوسهم الفراعنة في مصر ولا يتعرضون للإيذاء حتى جاء فرعون موسى عليه السلام وهو رابع الفراعنة من بعد فرعون يوسف عليه السلام وأطولهم عمرا، فساسهم بالقهر والذل والهوان، يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم ويكلف من الأعمال ما لا يطيقون وذلك أنه كان قد علم ما تحدثت به بنو إسرائيل من أن غلاما يولد فيهم يكون هلاك ملك مصر على يديه فعندئذ أمر بقتل الذكور من أطفالهم فلما كثر فيهم القتل خشت القبط ألا يجدوا من يقوم بالأعمال بدلا عنهم من بني إسرائيل فشكوا ذلك إلى فرعون فأمر بقتل ذكور بني إسرائيل عاما واستبقاهم عاما، ولما أراد الله تعالى سبحانه أن يمن على الذين استضعفوا في الأرض ولد موسى عليه السلام وكان ذلك في العام الذي يذبح فيه من ولد من الذكور، فلما وضعت أم موسى ألهمت أن اتخذت له تابوتا، فربطته في حبل، وكانت دارها متاخمة للنيل، فكانت ترضعه، فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت فأرسلته في البحر، وأمسكت طرف الحبل عندها، فإذا ذهبوا استرجعته إليها به، فأرسلته ذات يوم ، وذهلت أن تربط طرف الحبل عندها ، فذهب مع النيل فمر على دار فرعون فالتقطه آل فرعون، وألقى الله تعالى محبته في قلب آسية امرأة فرعون فلما أراد أن يقتله فرعون استوهبته منه، وقالت عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا، وطلبت له المراضع فلم يجدوا أهل بيت يرضعه حتى رأته أخته فدلتهم على أمها، وكانت أم موسى عليه السلام قد بلغ بها الخوف عليه أن كادت لتظهر أمره لولا أن ربط الله على قلبها، وفي الأخير رده إليها كي تقر عينها ولا تحزن.

            ولما بلغ موسى عليه السلام مبلغ الأطفال ناولته يوما امرأة فرعون إليه فنتف موسى لحيته فهم فرعون بقتله فقالت امرأته إنه لا يميز ولا يعقل وجعلت موسى عليه السلام يختار بين جمرة وحليها اختبارا فاختار الجمرة ووضعه على لسانه فاحترق.

            ولما شب موسى عليه السلام وصار فتى ودخل مدينة منف وقت غلق الناس أسواقهم ووجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من القبط فوكز موسى القبطي فمات، وقد تاب موسى عليه السلام من هذا الفعل رغم كونه قتل خطأ ، واجتمع القوم ليقتصوا من موسى فجاءه رجل من أقصى المدينة محذرا أن الملأ يجتمعون ليقتلوك فخرج خائفا يترقب حتى وصل إلى مدين حيث ماؤهم ووجد عليه امرأتين تسقيان غنمهما ولا يسقيان حتى يسقي الناس فلما علم من خبرهما سقى لهما، وتوجه إلى الظل وبينما هو كذلك إذ جاءته إحداهما تدعوه إلى أبيها ليجزيه أجر ما سقى لهما فلما وصل إلى حيث أبيهما وعلم أبوهما خبره طمأنه بأنه نجي وطلب منه أن يزوجه إحدى ابنتيه على أن يأجره ثماني حجج وإن زاد لعشر فمن عنده، فوافق موسى عليه السلام.

            ولما أتم المدة أراد أن يرحل بأهله فأعطاه صهره ما ولدت غنمه من قالب لون من ولد هذا العام، فأخذها موسى وسار بأهله.

            وكانت الليلة التي أراد الله - عز وجل - لموسى كرامته ، وابتداءه فيها بنبوته، وكلامه ، وكانت امرأته حاملا ، فأخذها الطلق في ليلة شاتية ذات مطر ، ورعد ، وبرق ، فأخرج زنده ليقدح نارا لأهله ليصطلوا ويبيتوا حتى يصبح ويعلم وجه طريقه ، فأصلد زنده فقدح حتى أعيا، فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد نارا تأجج في جانب الطور وهو الجبل الغربي منه عن يمينه، فقال لأهله : امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أي; لعلي أستعلم من عندها عن الطريق أو جذوة من النار لعلكم تصطلون فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلة باردة ومظلمة.

            فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين

            فكلمه ربه سبحانه ثم أرسله وأخاه هارون إلى فرعون، ليدعوانه إلى الله تعالى، وأمرهما أن يقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، وقد دعا موسى أن يشرح الله سبحانه صدره ويحلل العقدة من لسانه فيفقهوا قوله، وقد دخلا على فرعون، ودعاه لرب العالمين وهو يجحد وينكر، ثم هدد وتوعد، وموسى عليه السلام يقابله بالحجج والبراهين ثم عدل إلى الآيات والمعجزات فأخرج يده فإذا هي بيضاء للناظرين وألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، فما ارعوى فرعون وما كان من المتقين، وادعى أن ما جاء به موسى عليه السلام إنما هو السحر وأنه سيعارضه بمثله، وطلب المناظرة فضرب له يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى فجمع فرعون كيده من السحرة من جميع مملكته ووعدهم ومناهم وقدمهم فلما جاء الحق وتواجه موسى عليه السلام والسحرة نصحهم موسى عليه السلام بألا يفتروا على الله الكذب وأن يتقوا فألقوا حبالهم وعصيهم وخيل للناس أنها تسعى وكاد موسى يتأثر فأوحى إليه ربه إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوه كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى فلما ألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان مبين يبتلع ما صنعوا وأيقن السحرة أن ما جاء به موسى عليه السلام ليس من قبيل السحر وإنما هو من الله سبحانه فآمنوا بالله رب العالمين ووقعوا لله ساجدين، فما كان من فرعون إلا التهديد والوعيد لهم إلا أن هذا التهديد لم يثبت أمام الإيمان الراسخ فقالوا بلغة الإيمان التي لا تعرف الانحناء إلا لله تعالى سبحانه ولدينه: اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، وهنا ما كان من فرعون إلا أن أنفذ فيهم ما قدره الله عليه وباء بإثمهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم في جذوع النخل فأكرمهم الله سبحانه بالشهادة.

            وأوحى الله سبحانه إلى موسى بالمسير ببني إسرائيل وأن يحمل معه التابوت ويدفنه في الأرض المقدسة، فدل على التابوت دلته عليه امرأة عجوز ولها قصة.

            فطارد فرعون - لعنه الله - موسى عليه السلام وقومه فما كان من موسى إلا أن أمر قومه بالاستعانة بالله تعالى والصبر وأن العاقبة للمتقين، وخرج فرعون بطرا وأشرا حتى ألجأ موسى عليه السلام إلى البحر حتى إذا ما تراء الجمعان، وقال أصحاب موسى إنا لمدركون جاء الأمر من الله سبحانه أن اضرب البحر فانفلق وكان كل فرق كالطود العظيم ومر موسى عليه السلام وأتبعهم فرعون وجنوده فأطبقه الله عليه وأهلكه وجنده أجمعين، ولله الحمد.

            هذا وإن من طغيان فرعون أن قتل زوجته آسية لما آمنت بالله وحده كما حرق ماشطة ابنته، وحرق أبناءها، ولما بلغ من طغيان فرعون وقومه ما بلغ أرسل الله عليهم القمل والضفادع والدم وكانوا كلما جاءتهم آية يطلبون من موسى أن يدعو ربه يرفع عنهم البلاء ويؤمنون به فلما يدعو فيرفع عنهم لا يزيدهم إلا كفرا فلما أيقن موسى عليه السلام أنهم أهل زيغ وضلال دعا عليهم.

            ولما سار موسى بقومه ونجاهم الله إذا بهم يجدون قوما عاكفين على أصنام لهم فطلبوا من موسى أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة فأنكر عليهم أشد النكير وذكرهم بالله سبحانه، ولما طلب موسى من بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة لم يقبلوا وقالوا إن بها قوما جبارين، فكتب عليهم التيه، وقد وقع فيه من الآيات الكثير، وتوفى الله سبحانه هارون عليه السلام في التيه.

            ثم لما ذهب موسى لملاقاة الله تعالى وأخذ التوراة صنع لهم السامري العجل وعكفوا على عبادته وقد نهاهم هارون وأنكر عليهم فردوا عليه وقد رجع موسى عليه السلام إليهم مغضبا وألقى ألواح التوراة من يده من شدة الغضب وأخذ برأس أخيه وحرق العجل وألقاه في البحر، واختار عليه السلام من قومه سبعين رجلا يذهبون معه إلى الطور ليعتذروا عما وقع من قومهم من الكفر ويتوبون إلى الله تعالى.

            وقد طلبوا أن يروا الله تعالى جهرة فصعقوا وذلك في قصة.

            ومما وقع لموسى عليه السلام ما قصه الرحمن في كتابه العزيز من قصة البقرة وإحياء القتيل بضربه ببعضها، وما جاء من لقاء موسى للخضر عليهما السلام، وما وقع فيها من الآيات والعلم النافع كما اختلف العلماء في الخضر هل كان نبيا أم وليا؟ وهل ما زال حيا أم قضى؟ وما جاء في قصة قارون وتجبره، وبلعام بن باعوراء الذي آتاه الله تعالى آياته فانسلخ منها، واتبع هواه.

            وقد احتمل موسى عليه السلام من إيذاء بني إسرائيل الكثير حتى نسبوه إلى الأدر فبرأه الله تعالى مما قالوا وأطلعهم على استواء خلقته ثم توفى الله تعالى موسى عليه السلام في التيه، فدعا الله أن يقربه إلى بيت المقدس فأجيب إلى ذلك.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية