الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ولما وقع ما وقع من الأمر العظيم ، وهو الغلب الذي غلبه فرعون وقومه من القبط في ذلك الموقف الهائل ، وأسلم السحرة ، الذين استنصروا ربهم لم يزدهم ذلك إلا كفرا وعنادا وبعدا عن الحق فأخبر تعالى عن الملأ من قوم فرعون ، وهم الأمراء والكبراء ، أنهم حرضوا ملكهم فرعون على أذية نبي الله موسى ، عليه السلام ، ومقابلته - بدل التصديق بما جاء به - بالكفر والرد والأذى ، فقالوا أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك يعنون ، قبحهم الله ، أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، والنهي عن عبادة ما سواه فساد بالنسبة إلى اعتقاد القبط ، لعنهم الله . وقرأ بعضهم : " ويذرك وإلاهتك " أي ; وعبادتك . ويحتمل شيئين ; أحدهما ويذر دينك . وتقويه القراءة الأخرى . الثاني ، ويذر أن يعبدك ، فإنه كان يزعم أنه إله ، لعنه الله قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم أي ; لئلا تكثر مقاتلتهم وإنا فوقهم قاهرون أي ; غالبون قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين أي ; إذا هموا هم بأذيتكم والفتك بكم فاستعينوا أنتم بربكم ، واصبروا على بليتكم ، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين أي ; فكونوا أنتم من المتقين ; لتكون لكم العاقبة ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين [ يونس : 84 - 86 ] . وقولهم : أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا أي ; قد كانت الأبناء تقتل قبل مجيئك ، وبعد مجيئك إلينا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون وقال الله تعالى في سورة " حم المؤمن " : ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب [ غافر : 23 ، 24 ] . وكان فرعون الملك ، وهامان الوزير ، وكان قارون إسرائيليا من قوم موسى ، إلا أنه كان على دين فرعون وملئه ، وكان ذا مال جزيل جدا ، .

            فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال [ غافر : 25 ] . وهذا القتل للغلمان ، من بعد بعثة موسى ، إنما كان على وجه الإهانة والإذلال ، والتقليل لملأ بني إسرائيل ; لئلا تكون لهم شوكة يمتنعون بها أو يصولون على القبط بسببها ، وكانت القبط منهم يحذرون ، فلم ينفعهم ذلك ; ولم يرد عنهم قدر الذي يقول للشيء : كن . فيكون . وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد [ غافر : 26 ] . ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم : صار فرعون مذكرا . وهذا منه ، فإن فرعون في زعمه يخاف على الناس أن يضلهم موسى ، عليه السلام . وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب [ غافر : 27 ] . أي ; عذت بالله ، ولجأت إليه واستجرت بجنابه من أن يسطو فرعون أو غيره علي بسوء . وقوله : من كل متكبر أي ; جبار عنيد ، لا يرعوي ولا ينتهي ، ولا يخاف عذاب الله وعقابه ; لأنه لا يعتقد معادا ولا جزاء ، ولهذا قال من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية