الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وقد دل سياق القصة على نبوته من وجوه أحدها قوله تعالى : فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما [ الكهف : 65 ] . الثاني ، قول موسى له : هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا [ الكهف : 66 - 70 ] . فلو كان وليا وليس بنبي ، لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة ، ولم يرد على موسى هذا الرد ، بل موسى إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم ، الذي اختصه الله به دونه ، فلو كان غير نبي لم يكن معصوما ، ولم تكن لموسى - وهو نبي عظيم ، ورسول كريم ، واجب العصمة - كبير رغبة ، ولا عظيم طلبة في علم ولي غير واجب العصمة ، ولما عزم على الذهاب إليه ، والتفتيش عليه ، ولو أنه يمضي حقبا من الزمان ، قيل : ثمانين سنة . ثم لما اجتمع به تواضع له ، وعظمه ، واتبعه في صورة مستفيد منه ، دل على أنه نبي مثله يوحى إليه كما يوحى إليه ، وقد خص من العلوم اللدنية ، والأسرار النبوية ، بما لم يطلع الله عليه موسى ، الكليم ، نبي بني إسرائيل الكريم ، وقد احتج بهذا المسلك بعينه الرماني ، على نبوة الخضر ، عليه السلام . الثالث ، أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام ، وما ذاك إلا للوحي إليه من الملك العلام . وهذا دليل مستقل على نبوته ، وبرهان ظاهر على عصمته; لأن الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده ، لأن خاطره ليس بواجب العصمة; إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق . ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام ، الذي لم يبلغ الحلم ، علما منه بأنه إذا بلغ يكفر ، ويحمل أبويه عن الكفر; لشدة محبتهما له ، فيتابعانه عليه ، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته; صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته ، دل ذلك على نبوته ، وأنه مؤيد من الله بعصمته . وقد رأيت الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي طرق هذا المسلك بعينه في الاحتجاج على نبوة الخضر وصححه . وحكى الاحتجاج عليه الرماني أيضا . الرابع ، أنه لما فسر الخضر تأويل تلك الأفاعيل لموسى ، ووضح له عن حقيقة أمره ، وجلى ، قال بعد ذلك كله : رحمة من ربك وما فعلته عن أمري يعني : ما فعلته من تلقاء نفسي ، بل أمرت به ، وأوحي إلي فيه ، فدلت هذه الوجوه على نبوته . ولا ينافي ذلك حصول ولايته ، بل ولا رسالته ، كما قال آخرون . وأما كونه ملكا من الملائكة ، فغريب جدا . وإذا ثبتت نبوته كما ذكرناه ، لم يبق لمن قال بولايته - وإن الولي قد يطلع على حقيقة الأمور دون أرباب الشرع الظاهر - مستند يستندون إليه ، ولا معتمد يعتمدون عليه . وقيل : كان نبيا في زمن سباسب بن لهراسب . قال ابن جرير : وقد كان بين أفريدون وبين سباسب دهور طويلة ، لا يجهلها أحد من أهل العلم بالأنساب . قال ابن جرير ، والصحيح أنه كان في زمن أفريدون ، واستمر حيا إلى أن أدركه موسى ، عليه السلام ، وكانت نبوة موسى في زمن منوشهر ، الذي هو من ولد إيرج بن أفريدون ، أحد ملوك الفرس وكان إليه الملك بعد جده أفريدون لعهده وقال ابن إسحاق : استخلف الله على بني إسرائيل رجلا منهم يقال له ناشية بن أموص ، فبعث الله لهم الخضر معه نبيا

            التالي السابق


            الخدمات العلمية