الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ومن ما كلم الله عز وجل به موسى عليه السلام

            ما روي عن كعب ، قال: إن الرب عز وجل قال لموسى: يا موسى إذا رأيت الغنى مقبلا فقل: ذنب عجلت عقوبته ، وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصالحين .

            يا موسى ، إنك لن تقرب علي بعمل من أعمال البر خير لك من الرضا بقضائي ، ولن تأتي بعمل أحبط لحسناتك من البطر ، وإياك والتضرع لأبناء الدنيا ، إذن أعرض عنك ، وإياك أن تجود بدينك لدنياهم إذن آمر أبواب رحمتي أن تغلق دونك .

            ادن الفقراء ، وقرب مجلسهم منك ، ولا تركن إلى حب الدنيا ، فإنك لن تلقاني بكبيرة من الكبائر أضر عليك من الركون إلى الدنيا .

            يا موسى بن عمران ، قل للمذنبين النادمين: أبشروا ، وقل للعالمين المعجبين: اخسئوا .

            قال وهب بن منبه: كان موسى إذا كلمه الله عز وجل يرى النور على وجهه ثلاثة أيام ، ولم يتعرض للنساء مذ كلمه .

            وقد روى أبو سعيد الخدري قال: افتخر أهل الإبل والغنم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السكينة والوقار في أهل الغنم ، والخيلاء في أهل الإبل" . وقال: "بعث موسى وهو يرعى غنما لأهله ، وبعثت وأنا أرعى غنما لأهلي بجياد" . وقال قتادة : قال موسى : يا رب أجد في الألواح أمة ، خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، رب اجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إني أجد في الألواح أمة ، هم الآخرون في الخلق ، السابقون في دخول الجنة ، رب اجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إني أجد في الألواح أمة ، أناجيلهم في صدورهم ، يقرؤونها ، وكان من قبلهم يقرؤون كتابهم نظرا ، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه ، وإن الله أعطاكم أيتها الأمة من الحفظ شيئا ، لم يعطه أحدا من الأمم . قال : رب اجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إني أجد في الألواح أمة ، يؤمنون بالكتاب الأول ، وبالكتاب الآخر ، ويقاتلون فضول الضلالة ، حتى يقاتلوا الأعور الكذاب ، فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إني أجد في الألواح أمة ، صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ، ويؤجرون عليها ، وكان من قبلهم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها نارا فأكلتها ، وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير ، وإن الله أخذ صدقاتكم من غنيكم لفقيركم قال : رب فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب فإني أجد في الألواح أمة ، إذا هم أحدهم بحسنة ، ثم لم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، قال : رب ، اجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون ، المشفوع لهم ، فاجعلهم أمتي . قال تلك أمة أحمد . قال لنا قتادة : فذكر لنا أن موسى ، عليه السلام ، نبذ الألواح وقال : اللهم اجعلني من أمة أحمد .

            قال الحافظ أبو حاتم ، محمد بن حاتم بن حبان في " صحيحه " : ذكر سؤال كليم الله ربه ، عز وجل عن أدنى أهل الجنة وأرفعهم منزلة; وعن - شيخان صالحان - سمعنا الشعبي يقول : سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن موسى ، عليه السلام ، سأل ربه ، عز وجل : أي أهل الجنة أدنى منزلة؟ فقال : رجل يجيء بعد ما يدخل أهل الجنة الجنة ، فيقال : ادخل الجنة . فيقول : كيف أدخل الجنة وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم . فيقال له : ترضى أن يكون لك من الجنة مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا؟ فيقول : نعم أي رب . فيقال : لك هذا ، ومثله ، ومثله . فيقول : أي رب ، رضيت . فيقال : إن لك هذا وعشرة أمثاله . فيقول : أي رب رضيت . فيقال له : لك مع هذا ما اشتهت نفسك ، ولذت عينك . وسأل ربه : أي أهل الجنة أرفع منزلة؟ قال : سأحدثك عنهم ، غرست كرامتهم بيدي ، وختمت عليها ، فلا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين الآية . وهكذا رواه مسلم ، والترمذي ، كلاهما عن ابن أبي عمر ، عن سفيان ، وهو ابن عيينة ، به ، ولفظ مسلم : فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول : رضيت رب . فيقول : لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله . فيقول في الخامسة : رضيت رب . فيقول : هذا لك وعشرة أمثاله ، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك . فيقول : رضيت رب . قال : رب ، فأعلاهم منزلة؟ قال : أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي ، وختمت عليها ، فلم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب بشر قال : ومصداقه من كتاب الله فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وقال الترمذي : حسن صحيح . ذكر سؤال موسى ربه عن سبع خصال وقال ابن حبان : ذكر سؤال الكليم ربه عن خصال سبع فعن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : سأل موسى ربه ، عز وجل ، عن ست خصال كان يظن أنها له خالصة ، والسابعة لم يكن موسى يحبها; قال : يا رب أي عبادك أتقى؟ قال : الذي يذكر ولا ينسى . قال : فأي عبادك أهدى؟ قال الذي يتبع الهدى . قال : فأي عبادك أحكم؟ قال : الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه . قال : فأي عبادك أعلم؟ قال : عالم لا يشبع من العلم ، يجمع علم الناس إلى علمه . قال : فأي عبادك أعز؟ قال : الذي إذا قدر غفر . قال : فأي عبادك أغنى؟ قال : الذي يرضى بما يؤتى . قال : فأي عبادك أفقر؟ قال : صاحب منقوص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس الغنى عن ظهر ، إنما الغنى غنى النفس ، وإذا أراد الله بعبد خيرا جعل غناه في نفسه ، وتقاه في قلبه ، وإذا أراد بعبد شرا جعل فقره بين عينيه .

            قال ابن حبان : قوله : صاحب منقوص . يريد به منقوص حالته ، يستقل ما أوتي ، ويطلب الفضل .

            وعن ابن عباس ، قال : سأل موسى ربه ، عز وجل ، فذكر نحوه ، وفيه : قال : أي رب ، فأي عبادك أعلم؟ قال : الذي يبتغي علم الناس إلى علمه ، عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى ، أو ترده عن ردى . قال : أي رب ، فهل في الأرض أحد أعلم مني؟ قال : نعم ، الخضر . فسأل السبيل إليه . وقال ابن حبان : ذكر سؤال كليم الله ربه ، جل وعلا ، أن يعلمه شيئا يذكره به ، وعن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : قال موسى : يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به . قال : قل يا موسى : لا إله إلا الله . قال : يا رب كل عبادك يقول هذا . قال : قل : لا إله إلا الله . قال : إنما أريد شيئا تخصني به . قال : يا موسى لو أن أهل السماوات السبع والأرضين السبع في كفة ، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا الله

            وقال ابن أبي حاتم ، عند تفسير آية الكرسي : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن بني إسرائيل قالوا لموسى : هل ينام ربك؟ قال : اتقوا الله . فناداه ربه : يا موسى سألوك هل ينام ربك ، فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل ، ففعل موسى ، فلما ذهب من الليل ثلث ، نعس فوقع لركبتيه ، ثم انتعش ، فضبطهما حتى إذا كان آخر الليل نعس ، فسقطت الزجاجتان ، فانكسرتا . فقال : يا موسى ، لو كنت أنام ، لسقطت السماوات والأرض ، فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك . قال : وأنزل الله على رسوله آية الكرسي .

            وقال ابن جرير : وعن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى ، عليه السلام ، على المنبر ، قال : وقع في نفس موسى ، عليه السلام ، هل ينام الله ، عز وجل؟ فأرسل الله إليه ملكا ، فأرقه ثلاثا ، ثم أعطاه قارورتين ، في كل يد قارورة ، وأمره أن يحتفظ بهما ، قال : فجعل ينام ، وكادت يداه تلتقيان فيستيقظ ، فيحبس إحداهما على الأخرى ، حتى نام نومة ، فاصطفقت يداه ، فانكسرت القارورتان قال : ضرب الله له مثلا ، أن لو كان ينام ، لم تستمسك السماء والأرض .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية