الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثم قال : إن هذا لهو الفضل المبين أي : من بارئ البريات وخالق الأرض والسماوات ، كما قال تعالى : وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين [ النمل : 17 - 19 ] . يخبر تعالى عن عبده ونبيه وابن نبيه سليمان بن داود ، عليهما الصلاة والسلام ، أنه ركب يوما في جيشه جميعه من الجن والإنس والطير ، فالجن والإنس يسيرون معه ، والطير سائرة معه تظله بأجنحتها من الحر وغيره ، وعلى كل من هذه الجيوش الثلاثة وزعة ، أي نقباء يردون أوله على آخره ، فلا يتقدم أحد عن موضعه الذي يسير فيه ولا يتأخر عنه ، قال الله تعالى : حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فأمرت ، وحذرت ، واعتذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور . وقد ذكر وهب أنه مر وهو على البساط بواد بالطائف ، وأن هذه النملة كان اسمها " جرس " وكانت من قبيلة يقال لهم : بنو الشيصبان ، وكانت عرجاء ، وكانت بقدر الذئب . وفي هذا كله نظر ، بل في هذا السياق دليل على أنه كان في موكبه راكبا في خيوله وفرسانه ، لا كما زعم بعضهم من أنه كان إذ ذاك على البساط ; لأنه لو كان كذلك لم ينل النمل منه شيء ولا وطء ; لأن البساط كان عليه جميع ما يحتاجون إليه من الجيوش والخيول والجمال والأثقال والخيام والأنعام ، والطير من فوق ذلك كله ، كما سنبينه بعد ذلك ، إن شاء الله تعالى .

            والمقصود أن سليمان ، عليه السلام ، فهم ما خاطبت به تلك النملة لأمتها من الرأي السديد والأمر الحميد ، وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار والفرح والسرور بما أطلعه الله عليه دون غيره ، وليس كما يقوله بعض الجهلة ، من أن الدواب كانت تنطق قبل سليمان ، وتخاطب الناس حتى أخذ عليهم سليمان بن داود العهد وألجمها ، فلم تتكلم مع الناس بعد ذلك ، فإن هذا لا يقوله إلا الذين لا يعلمون ، ولو كان هذا هكذا لم يكن لسليمان في فهم لغاتها مزية على غيره ; إذ قد كان الناس كلهم يفهمون ذلك ، ولو كان قد أخذ عليها العهد أن لا تتكلم مع غيره ، وكان هو يفهمها ، لم يكن في هذا أيضا فائدة يعول عليها ، ولهذا قال : رب أوزعني أي : ألهمني وأرشدني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين فطلب من الله أن يقيضه للشكر على ما أنعم به عليه ، وعلى ما خصه به من المزية على غيره ، وأن ييسر عليه العمل الصالح ، وأن يحشره إذا توفاه مع عباده الصالحين ، وقد استجاب الله تعالى له . والمراد بوالديه داود ، عليه السلام ، وأمه ، وكانت من العابدات الصالحات ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قالت أم سليمان بن داود : يا بني لا تكثر النوم بالليل ; فإن كثرة النوم بالليل تدع العبد فقيرا يوم القيامة . وعن الزهري : إن سليمان بن داود ، عليه السلام ، خرج هو وأصحابه يستسقون ، فرأى نملة قائمة رافعة إحدى قوائمها تستسقي ، فقال لأصحابه : ارجعوا فقد سقيتم ، إن هذه النملة استسقت فاستجيب لها . وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون الله ، فإذا هم بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال النبي : ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل هذه النملة وقال السدي : أصاب الناس قحط على عهد سليمان ، عليه السلام ، فأمر الناس فخرجوا ، فإذا بنملة قائمة على رجليها ، باسطة يديها وهي تقول : اللهم إنا خلق من خلقك ولا غناء بنا عن فضلك . قال : فصب الله عليهم المطر .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية