فأما الحكم الذي يوافق حكم الله تعالى ، فقد أثنى الله تعالى عليه وعلى أبيه في قوله : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما
وقد ذكر شريح القاضي ، وغير واحد من السلف ، أن هؤلاء القوم كان لهم كرم فنفشت فيه غنم قوم آخرين أي رعته بالليل فأكلت شجره بالكلية ، فتحاكموا إلى داود عليه السلام ، فحكم لأصحاب الكرم بقيمته ، فلما خرجوا على سليمان قال : بما حكم لكم نبي الله ؟ فقالوا : بكذا وكذا . فقال : أما لو كنت أنا لما حكمت إلا بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم ، فيستغلونها نتاجا ودرا حتى يصلح أصحاب الغنم كرم أولئك ويردوه إلى ما كان عليه ، ثم يتسلموا غنمهم . فبلغ داود عليه السلام ، ذلك فحكم به .
وقريب من هذا ما ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولعل كلا من الحكمين كان سائغا في شريعتهم ، ولكن ما قاله سليمان أرجح ، ولهذا أثنى الله عليه بما ألهمه إياه ، ومدح بعد ذلك أباه فقال : بينما امرأتان معهما ابناهما ، إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما فتنازعتا في الآخر ، فقالت الكبرى : إنما ذهب بابنك . وقالت الصغرى : إنما ذهب بابنك . فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى ، فخرجتا على سليمان ، فقال : ائتوني بالسكين أشقه نصفين ، لكل واحدة منكما نصفه . فقالت الصغرى : لا تفعل ، يرحمك الله ، هو ابنها . فقضى به لها وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون
قال بعض العلماء : في هذا دليل على أن كل مجتهد في الأحكام الفروعية مصيب ، فإن داود أخطأ الحكم الصحيح عند الله تعالى وأصابه سليمان ، فقال الله تعالى : وكلا آتينا حكما وعلما .