الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فأما الحكم الذي يوافق حكم الله تعالى ، فقد أثنى الله تعالى عليه وعلى أبيه في قوله : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما

            وقد ذكر شريح القاضي ، وغير واحد من السلف ، أن هؤلاء القوم كان لهم كرم فنفشت فيه غنم قوم آخرين أي رعته بالليل فأكلت شجره بالكلية ، فتحاكموا إلى داود عليه السلام ، فحكم لأصحاب الكرم بقيمته ، فلما خرجوا على سليمان قال : بما حكم لكم نبي الله ؟ فقالوا : بكذا وكذا . فقال : أما لو كنت أنا لما حكمت إلا بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم ، فيستغلونها نتاجا ودرا حتى يصلح أصحاب الغنم كرم أولئك ويردوه إلى ما كان عليه ، ثم يتسلموا غنمهم . فبلغ داود عليه السلام ، ذلك فحكم به .

            وقريب من هذا ما ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينما امرأتان معهما ابناهما ، إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما فتنازعتا في الآخر ، فقالت الكبرى : إنما ذهب بابنك . وقالت الصغرى : إنما ذهب بابنك . فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى ، فخرجتا على سليمان ، فقال : ائتوني بالسكين أشقه نصفين ، لكل واحدة منكما نصفه . فقالت الصغرى : لا تفعل ، يرحمك الله ، هو ابنها . فقضى به لها ولعل كلا من الحكمين كان سائغا في شريعتهم ، ولكن ما قاله سليمان أرجح ، ولهذا أثنى الله عليه بما ألهمه إياه ، ومدح بعد ذلك أباه فقال : وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون

            قال بعض العلماء : في هذا دليل على أن كل مجتهد في الأحكام الفروعية مصيب ، فإن داود أخطأ الحكم الصحيح عند الله تعالى وأصابه سليمان ، فقال الله تعالى : وكلا آتينا حكما وعلما .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية