[ذكر عمارة بيت المقدس]
اختلفوا على قولين:
أحدهما: إنه أرميا . روى عبد الصمد بن معقل ، عن وهب بن منبه ، قال: أقام أرميا بأرض مصر ، فأوحى الله تعالى إليه: أن الحق بأرض إيليا ، فإن هذه ليست لك بأرض ، فقام فركب حماره حتى إذا كان ببعض الطريق وقد أخذ معه سلة من عنب وسقاء جديدا أملاه ماء .
فلما بدا له شخص بيت المقدس وما حوله من القرى نظر إلى خراب لا يوصف ، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها [2: 259] ، ثم تبوأ منها منزله وربط حماره ، فألقى الله عليه السبات ونزع روحه مائة عام .
فلما مرت منها سبعون أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس ، فقال: إن الله يأمرك أن تنفر بقومك فتعمر بيت المقدس وإيليا وأرضها حتى تعود أعمر ما كانت . فقال الملك: أنظرني ثلاثة أيام حتى أتأهب لهذا العمل .
فندب ألف قهرمان ، مع كل قهرمان ثلاثة آلاف عامل ، وما يصلحه من أداة العمل ، فسارت القهارمة فلما وقعوا في العمل رد الله روح الحياة في عيني أرمياء ، فنظر إليها تعمر .
قال مجاهد: اسمه كورش ، ولم يتم بناؤها إلا بعد الملك الرابع بعد كورش على سماعة بن أصيد ، وهو من رهط داود .
[القول الثاني]: إن أرمياء لبث في موته إلى أن هلك بخت نصر ، وكان قد عاش ثلاثمائة سنة ، وهلك ببعوضة دخلت في رأسه ، وهلك الملك الذي فوقه ، وهو لهراسب ، وكان ملكه مائة وعشرين سنة .
وملك بعده ابنه بشاسب ، فبلغه عن بلاد الشام خراب ، وأن السباع قد كثرت في بلاد فلسطين فلم يبق فيها من الإنس أحد ، فنادى في أرض بابل في بني إسرائيل: من شاء أن يرجع إلى الشام فليرجع ، وملك عليهم رجلا من آل داود ، وأمره أن يعمر بيت المقدس ويبني مسجدها ، فرجعوا فعمروها ، ورد الله الروح إلى أرمياء عليه السلام .
[القول الثالث] وعلى هذا أكثر العلماء ، وهو عزير بن شرويق بن عزيا بن أيوب بن زرحيا بن عزي من ولد هارون .
عن ناجية بن كعب: أو كالذي مر على قرية [2: 259] قال: هو عزير .
قال علماء السير: لما قال عزيز: أنى يحيي هذه الله بعد موتها [2: 259] ، أماته الله مائة عام ، وأول ما خلق منه عيناه ، فجعل ينظر إلى عظامه ينضم بعضها إلى بعض ، ثم كسيت لحما ونفخ فيه الروح .
قال ابن عباس: مات وهو ابن أربعين سنة ، وابنه ابن عشرين سنة ، ثم بعث وهو ابن أربعين ومائة ، وابنه ابن مائة وعشرين ، فأقبل حتى أتى قومه في بيت المقدس ، فقال: أنا عزير ، فقالوا: حدثنا آباؤنا أن عزيرا مات ، فقال: أنا هو ، أرسلني الله إليكم أجدد لكم توراتكم ، وكانت قد ذهبت فليس أحد يقرأها ، فأملاها عليهم .
قال وهب بن منبه: كان عزير من السبايا التي سباها بخت نصر من بيت المقدس ، فرجع إلى الشام يبكي على فقد التوراة ، فجاء ملك ، فقال: صم وتطهر وطهر ثيابك وتعالى إلى هذا المكان ، ففعل ، فأتاه بإناء فيه ماء فسقاه ، فمثلت التوراة في صدره ، فرجع على بني إسرائيل فتلاها عليهم وأقام فيهم مقيما بحق الله ، ثم توفاه .
قال أحمد بن جعفر بن المنادي: لما تلا عليهم بعضها افتتنوا ، فقالوا ما قالوا ، فلما مات بدلت ، وكان المتولي لتبديلها ميخائيل تلميذ عزير ، وهو رأس بابل كلها .
وقال غيره: لما خرب بيت المقدس أحرق التوراة وساق بني إسرائيل إلى بابل ، فذهبت التوراة ، فجاء عزير فجددها لهم ودفعها إلى تلميذ له ومات ، فذلك التلميذ زاد فيها ونقص .
ويدل على تبديلها أن فيها أسفار موسى وما جرى له ، وكيف كان موته ووصيته إلى يوشع ، وحزن بني إسرائيل عليه ، وغير ذلك مما لا يشكل على عاقل أنه ليس من كلام الله ولا من كلام موسى ، وفي أيدي السامرة توراة تخالف هذه الموجودة .
وقال داود بن أبي هند: فلم يذكر من الأنبياء . سأل عزير ربه عن القدر ، فأوحى الله إليه: سألتني عن علمي فعقوبتك أن لا أسميك في الأنبياء ،
قال علماء السير: لما بني بيت المقدس أقام بنو إسرائيل أمرهم وكثروا إلى أن غلبتهم الروم ، فلم يكن لهم بعد ذلك جماعة .