قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر : هو عزير بن حيوة ويقال : ابن سوريق بن عرنا بن أيوب بن درثنا بن عرى بن تقى بن السبوع بن فنحاص بن العازر بن هارون بن عمران . ويقال : عزير بن شروخا .
جاء في بعض الآثار أن قبره بدمشق .
هل كان العزير نبيا أم لا؟
عن ابن عباس مرفوعا : لا أدري ألعن تبع أم لا ، ولا أدري أكان عزير نبيا أم لا ؟ .
وعن عبد الله بن سلام ، أن عزيرا هو العبد الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه .
وقيل : إن عزيرا كان عبدا صالحا حكيما خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها ، فلما انصرف انتهى إلى خربة حين قامت الظهيرة وأصابه الحر ، ودخل الخربة وهو على حماره ، فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين ، وسلة فيها عنب ، فنزل في ظل تلك الخربة وأخرج قصعة معه ، فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة ، ثم أخرج خبزا يابسا معه ، فألقاه في تلك القصعة في العصير ; ليبتل ليأكله ، ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها وهي قائمة على عروشها وقد باد أهلها ، ورأى عظاما بالية فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها فلم يشك أن الله يحييها ولكن قالها تعجبا ، فبعث الله ملك الموت ، فقبض روحه ، فأماته الله مائة عام ، فلما أتت عليه مائة عام ، وكانت فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث . قال : فبعث الله إلى عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل به ، وعينيه لينظر بهما ; فيعقل كيف يحيي الله الموتى ، ثم ركب خلقه وهو ينظر ، ثم كسى عظامه اللحم ، والشعر ، والجلد ، ثم نفخ فيه الروح ، كل ذلك وهو يرى ويعقل ، فاستوى جالسا ، فقال له الملك : كم لبثت ، قال : لبثت يوما أو بعض يوم وذلك أنه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة ، وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب ، فقال : أو بعض يوم ولم يتم لي يوم . فقال له الملك : بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك يعني الطعام ; الخبز اليابس ، وشرابه ; العصير الذي كان اعتصر في القصعة ، فإذا هما على حالهما لم يتغير العصير والخبز يابس ، فذلك قوله : لم يتسنه يعني لم يتغير ، وكذلك التين والعنب غض لم يتغير عن شيء من حالهما ، فكأنه أنكر في قلبه ، فقال له الملك : أنكرت ما قلت لك ؟ انظر إلى حمارك . فنظر فإذا حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة ، فنادى الملك عظام الحمار ، فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه الملك ، وعزير ينظر إليه ، ثم ألبسها العروق والعصب ، ثم كساها اللحم ، ثم أنبت عليها الجلد والشعر ، ثم نفخ فيه الملك ، فقام الحمار رافعا رأسه وأذنيه إلى السماء ، ناهقا يظن القيامة قد قامت ، فذلك قوله : وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما [ البقرة : 259 ] . يعني انظر إلى عظام حمارك كيف نركب بعضها بعضا في أوصالها ، حتى إذا صارت عظاما مصورا حمارا بلا لحم ، ثم انظر كيف نكسوها لحما ، فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير من إحياء الموتى وغيره . قال : فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس ، وأنكر الناس ، وأنكر منازلهم ، فانطلق على وهم منه ، حتى أتى منزله ، فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة ، كانت أمة لهم ، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة ، كانت عرفته وعقلته ، فلما أصابها الكبر أصابها الزمانة فقال لها عزير : يا هذه أهذا منزل عزير ؟ قالت : نعم هذا منزل عزير . فبكت وقالت : ما رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس . قال : فإني أنا عزير ، كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني . قالت : سبحان الله! فإن عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة ، فلم نسمع له بذكر . قال : فإني أنا عزير . قالت : فإن عزيرا رجل مستجاب الدعوة ، يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء ، فادع الله أن يرد علي بصري حتى أراك ، فإن كنت عزيرا عرفتك . قال : فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحتا وأخذ بيدها وقال : قومي بإذن الله . فأطلق الله رجليها ، فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال ، فنظرت فقالت : أشهد أنك عزير وانطلقت إلى محلة بني إسرائيل ، وهم في أنديتهم ومجالسهم ، وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة وثماني عشر سنة وبنو بنيه شيوخ في المجلس ، فنادتهم فقالت : هذا عزير قد جاءكم . فكذبوها ، فقالت : أنا فلانة مولاتكم دعا لي ربه ، فرد علي بصري وأطلق رجلي ، وزعم أن الله أماته مائة سنة ثم بعثه . قال : فنهض الناس ، فأقبلوا إليه ، فنظروا إليه فقال ابنه : كان لأبي شامة سوداء بين كتفيه . فكشف عن كتفيه ، فإذا هو عزير فقالت بنو إسرائيل : فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدثنا غير عزير وقد حرق بخت نصر التوراة ولم يبق منها شيء إلا ما حفظت الرجال فاكتبها لنا . وكان أبوه سروخا قد دفن التوراة أيام بخت نصر في موضع لم يعرفه أحد غير عزير فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة ، وكان قد عفن الورق ، ودرس الكتاب . قال : وجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله ، فجدد لهم التوراة ، ونزل من السماء شهابان ، حتى دخلا جوفه ، فتذكر التوراة ، فجددها لبني إسرائيل . فمن ثم قالت اليهود : عزير ابن الله - جل الله وعز - للذي كان من أمر الشهابين وتجديده التوراة وقيامه بأمر بني إسرائيل ، وكان جدد لهم التوراة بأرض السواد بدير حزقيل . والقرية التي مات فيها يقال لها : سايراباذ . قال ابن عباس : فكان كما قال الله تعالى : ولنجعلك آية للناس يعني لبني إسرائيل . وذلك أنه كان يجلس مع بنيه وهم شيوخ وهو شاب ; لأنه مات وهو ابن أربعين سنة ، فبعثه الله شابا ، كهيئة يوم مات . قال ابن عباس : بعث بعد بخت نصر . وكذلك قال الحسن .
وقد أنشد أبو حاتم السجستاني في معنى ما قاله ابن عباس :
وأسود رأس شاب من قبله ابنه ومن قبله ابن ابنه فهو أكبر يرى ابن ابنه شيخا يدب على عصا
ولحيته سوداء والرأس أشقر وما لابنه حيل ولا فضل قوة
يقوم كما يمشي الصبي فيعثر يعد ابنه في الناس تسعين حجة
وعشرين لا يجري ولا يتبختر وعمر أبيه أربعون أمرها
ولابن ابنه تسعون في الناس غبر فما هو في المعقول إن كنت داريا
وإن كنت لا تدري فبالجهل تعذر