الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            زهد وحياة يحيى عليه السلام

            وقد ذكروا أن يحيى ، عليه السلام ، كان كثير الانفراد من الناس ، إنما كان يأنس إلى البراري ، ويأكل من ورق الأشجار ، ويرد ماء الأنهار ، ويتغذى بالجراد في بعض الأحيان ، ويقول : من أنعم منك يا يحيى . وروى ابن عساكر ، أن أبويه خرجا في تطلبه ، فوجداه عند بحيرة الأردن ، فلما اجتمعا به أبكاهما بكاء شديدا ; لما هو فيه من العبادة والخوف من الله عز وجل . وعن مجاهد ، قال : كان طعام يحيى بن زكريا العشب ، وإن كان ليبكي من خشية الله ، حتى لو كان القار على عينيه لحرقه . وعن ابن شهاب ، قال : جلست يوما إلى أبي إدريس الخولاني وهو يقص ، فقال : ألا أخبركم بمن كان أطيب الناس طعاما ؟ فلما رأى الناس قد نظروا إليه قال : إن يحيى بن زكريا ، كان أطيب الناس طعاما ; إنما كان يأكل مع الوحش ; كراهة أن يخالط الناس في معايشهم . وقال ابن المبارك ، عن وهيب بن الورد ، قال : فقد زكريا ابنه يحيى ثلاثة أيام ، فخرج يلتمسه في البرية ، فإذا هو قد احتفر قبرا وأقام فيه يبكي على نفسه . فقال : يا بني أنا أطلبك من ثلاثة أيام ، وأنت في قبر قد احتفرته ، قائم تبكي فيه ؟! فقال : يا أبت ، ألست أنت أخبرتني أن بين الجنة والنار مفازة لا تقطع إلا بدموع البكائين ؟ فقال له : ابك يا بني . فبكيا جميعا . وروى ابن عساكر عنه ، أنه قال : إن أهل الجنة لا ينامون للذة ما هم فيه من النعيم ، فكذا ينبغي للصديقين أن لا يناموا ; لما في قلوبهم من نعيم المحبة لله عز وجل . ثم قال : كم بين النعيمين وكم بينهما . وذكروا أنه كان كثير البكاء ، حتى أثر البكاء في خديه من كثرة دموعه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية