الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            أفضلية يحيى عليه السلام على غيره من الأنبياء ثم قال : وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا هذه الأوقات الثلاثة أشد ما تكون على الإنسان ; فإنه ينتقل في كل منها ، من عالم إلى عالم آخر فيفقد الأول بعد ما كان ألفه وعرفه ، ويصير إلى الآخر ولا يدري ما بين يديه ; ولهذا يستهل صارخا إذا خرج من بين الأحشاء وفارق لينها وضمها ، وينتقل إلى هذه الدار ليكابد همومها وغمومها ، وكذلك إذا فارق هذه الدار ، وانتقل إلى عالم البرزخ بينها وبين دار القرار ، وصار بعد الدور والقصور ، إلى عرصة الأموات سكان القبور ، وانتظر هناك النفخة في الصور ليوم البعث والنشور ، فمن مسرور ومحبور ، ومن محزون ومثبور ، وما بين جبير ومكسور ، وفريق في الجنة وفريق في السعير . ولقد أحسن بعض الشعراء حيث قال :


            ولدتك أمك باكيا مستصرخا والناس حولك يضحكون سرورا     فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكوا
            في يوم موتك ضاحكا مسرورا



            ولما كانت هذه المواطن الثلاثة أشق ما تكون على ابن آدم سلم الله على يحيى في كل موطن منها ، فقال : وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا

            وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، أن الحسن قال : إن يحيى وعيسى التقيا فقال له عيسى : استغفر لي ، أنت خير مني . فقال له الآخر : استغفر لي ، أنت خير مني . فقال له عيسى : أنت خير مني ; سلمت على نفسي ، وسلم الله عليك . فعرف والله فضلها . وأما قوله في الآية الأخرى : وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين فقيل : المراد بالحصور ، الذي لا يأتي النساء . وقيل غير ذلك . وهو أشبه ; لقوله : هب لي من لدنك ذرية طيبة .

            وعن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ليس يحيى بن زكريا ، وما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى .

            وعن ابن شهاب ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه يوما وهم يتذاكرون فضل الأنبياء ، فقال قائل : موسى كليم الله . وقال قائل : عيسى روح الله وكلمته . وقائل يقول : إبراهيم خليل الله . فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم يذكرون ذلك ، فقال : أين الشهيد ، أين الشهيد يلبس الوبر ، ويأكل الشجر ، مخافة الذنب قال ابن وهب : يريد يحيى بن زكريا .

            . وعن سعيد بن المسيب ، حدثني ابن العاص : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل ابن آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب ، إلا ما كان من يحيى بن زكريا .

            وعن عبد الله بن عمرو قال : ما أحد إلا يلقى الله بذنب ، إلا يحيى بن زكريا . ثم تلا : وسيدا وحصورا ثم رفع شيئا من الأرض فقال : ما كان معه إلا مثل هذا ، ثم ذبح ذبحا .

            وعن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة يحيى ، وعيسى عليها السلام .

            وعن خيثمة قال : كان عيسى ابن مريم ، ويحيى بن زكريا ابني خالة ، وكان عيسى يلبس الصوف ، وكان يحيى يلبس الوبر ، ولم يكن لواحد منهما دينار ولا درهم ، ولا عبد ولا أمة ، ولا ما يأويان إليه ، أينما جنهما الليل أويا ، فلما أرادا أن يتفرقا قال له يحيى : أوصني . قال : لا تغضب . قال : لا أستطيع إلا أن أغضب . قال : فلا تقتن مالا . قال : أما هذه فعسى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية