الإذن في الرواية عن أخبار بني إسرائيل
قال الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : حدثوا عني ولا تكذبوا علي ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج .
وقال أيضا : عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن فمن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه وقال قال حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج حدثوا عني ولا تكذبوا علي وهكذا رواه مسلم والنسائي من حديث همام ، ورواه أبو عوانة الإسفراييني عن أبي داود السجستاني عن هدبة عن همام عن زيد بن أسلم به ثم قال : قال أبو داود : أخطأ فيه همام وهو من قول أبي سعيد كذا قال ، ومن كذب علي - قال همام : أحسبه قال متعمدا - فليتبوأ مقعده من النار
وعن عبد الله بن عمرو قال : وعن عبد الرحمن بن سابط عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل حتى يصبح ما يقوم فيها إلا لعظم صلاة حدثوا عن بني إسرائيل فإنه قد كان فيهم الأعاجيب ثم أنشأ يحدث صلى الله عليه وسلم قال : خرجت طائفة من بني إسرائيل حتى أتوا مقبرة من مقابرهم فقالوا : لو صلينا ركعتين ، ودعونا الله عز وجل فيخرج لنا رجلا قد مات نسائله يحدثنا عن الموت ففعلوا فبينما هم كذلك إذ أطلع رجل رأسه من قبر من تلك القبور ، بين عينيه أثر السجود فقال : يا هؤلاء ما أردتم إلي فقد مت منذ مائة عام فما سكنت عني حرارة الموت حتى الآن ، فادعوا الله أن يعيدني كما كنت . وهذا حديث غريب .
إذا تقرر جواز الرواية عنهم فهو محمول على ما يمكن أن يكون صحيحا فأما ما يعلم أو يظن بطلانه ، لمخالفته الحق الذي بأيدينا عن المعصوم فذاك متروك مردود لا يعرج عليه ، ثم مع هذا كله ، لا يلزم من جواز روايته أن تعتقد صحته لما رواه البخاري قائلا بسنده عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمنا بالله وما أنزل إلينا [ البقرة : 136 ] تفرد به البخاري من هذا الوجه . لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا
وعن أبي نملة الأنصاري عن أبيه وقولوا آمنا بالله ، وكتبه ورسله فإن كان حقا لم تكذبوهم ، وإن كان باطلا لم تصدقوهم إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، تفرد به أحمد . أنه كان جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ جاء رجل من اليهود فقال : يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أعلم فقال اليهودي : أنا أشهد أنها تتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بسنده عن جابر بن عبد الله تفرد به أحمد ، وإسناده على شرط مسلم . أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم قال : فغضب ، وقال : أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني
تحريف بني إسرائيل ما بأيديهم من الكتب السماوية فهذه الأحاديث دليل على أنهم قد بدلوا ما بأيديهم من الكتب السماوية ، وحرفوها وأولوها ، ووضعوها على غير مواضعها ولا سيما ما يبدونه من المعربات التي لم يحيطوا بها علما ، وهي بلغتهم فكيف يعبرون عنها بغيرها ، ولأجل هذا وقع في تعريبهم خطأ كبير ، ووهم كثير مع ما لهم من المقاصد الفاسدة والآراء الباردة . وهذا يتحققه من نظر في كتبهم التي بأيديهم ، وتأمل ما فيها من سوء التعبير ، وقبيح التبديل والتغيير والله المستعان وهو نعم المولى ونعم النصير .
وهذه التوراة التي يبدونها ، ويخفون منها كثيرا فيما ذكروه فيها تحريف وتبديل وتغيير وسوء تعبير ، يعلمه من نظر فيها ، وتأمل ما قالوه وما أبدوه وما أخفوه ، وكيف يصوغون عبارة فاسدة البناء والتركيب ، باطلة من حيث معناها وألفاظها . وهذا كعب الأحبار من أجود من ينقل عنهم ، وقد أسلم في زمن عمر وكان ينقل شيئا عن كتب أهل الكتاب فكان عمر رضي الله عنه يستحسن بعض ما ينقله ; لما يصدقه من الحق ، وتأليفا لقلبه فتوسع كثير من الناس في أخذ ما عنده ، وبالغ أيضا هو في نقل تلك الأشياء التي كثير منها ما يساوي مداده ، ومنها ما هو باطل لا محالة ، ومنها ما هو صحيح لما يشهد له الحق الذي بأيدينا .
وقد قال البخاري بسنده عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة ، وذكر كعب الأحبار فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا - مع ذلك - لنبلو عليه الكذب يعني من غير قصد منه .
وروى البخاري بسنده عن ابن عباس أنه قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أنزل الله على رسوله أحدث الكتب بالله تقرءونه محضا لم يشب ؟ وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا : هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ، لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم .
وروى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود أنه قال : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، إما أن تكذبوا بحق ، أو تصدقوا بباطل . والله أعلم . وأما الأخبار الإسرائيلية مما يذكره كثير من المفسرين والمؤرخين فكثيرة جدا ، ومنها ما هو صحيح موافق لما وقع وكثير منها - بل أكثرها - مما يذكره القصاص مكذوب مفترى ، وضعه زنادقتهم وضلالهم ، وهي ثلاثة أقسام : منها ما هو صحيح لموافقته ما قصه الله في كتابه أو أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنها ما هو معلوم البطلان لمخالفته كتاب الله وسنة رسوله ، ومنها ما يحتمل الصدق والكذب فهذا الذي أمرنا بالتوقف فيه فلا نصدقه ولا نكذبه; لما ثبت في الصحيح وتجوز روايته مع هذا الحديث المتقدم إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل اليكم وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج . .