الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            من أخبار العرب قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم

            وكان من أخبار العرب وما كانوا عليه قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم ما قصه القرآن إجمالا وذكره أهل التفسير والتاريخ والسير على التفصيل ومنها قصة سد مأرب وما وقع فيه، وكيف انتقل عمرو بن عامر من اليمن بعدما رأى جرذا يحفر في السد فعلم أنه لا بقاء للسد فكاد لقومه حتى باع ماله وخرج بكل أهله وتبعه الأزد حتى انتهوا إلى عك فحاربتهم وكانت الحرب بينهم سجال ثم تفرقوا في البلاد فسكن بعضهم الشام ونزلت أزد السراة وأزد عمان عمان ونزلت خزاعة مرا وسكنت الأوس والخزرج يثرب، ثم هدم سد مأرب كما توقع عمرو بن عامر.

            وما كان من تبان أسعد أبو كرب من قتل ولده غيلة في المدينة وخروجه إليهم ليستأصلهم وينتقم منهم وكيف أنهم حاربوه، ثم ما كان من الحبرين اليهوديين اللذين أخبرا بأن المدينة ممنوعة منه مهما أرادها وأهلها بسوء حيث إنما مهجر نبي آخر الزمان، وإخبارهم إياه بفضل الكعبة البيت الحرام وكسوته الكعبة وإعظامه لها وخروجه بالحبرين إلى اليمن ودخوله في دين اليهودية فكان هذا أصل اليهود واليهودية باليمن.

            وكيف كان قتل عمرو بن تبان أسعد أخاه حسان ثم موته بعده ثم انقضى ملك آل تبان حتى أعاده زرعة ذو نواس بن تبان أسعد بعد قتله لخيعة الفاسق الذي تملك وقتل أبناء الملوك وأذلهم.

            وما كان من أخبار اليمن مما وقع لربيعة بن نصر من الرؤيا التي رآها وسؤاله سطيحا عنها وإخباره أن الحبش سيهبطون أرضه وإخباره بتملك إرم ذي يزن وإخراج الحبش منها ثم انتهاء ملك ذي يزن بنبي ذكي يأتيه الوحي من قبل العلي.

            وقد جاء في أخبار العرب كيف تملك الحبشة أرض اليمن بعد هزيمة ذي نواس وذلك بعد استنصار دوس ذي ثعلبان بملك الروم وكتابة ملك الروم للنجاشي بالحبشة لتخليص اليمن من ذي نواس، ثم مقتل أرياط بعدما ملك اليمن سنين وتغلب أبرهة عليها وبنى بها كنيسة القليس والتي دعا إليها العرب ليحجوا إليها، فأحدث فيها أحد النسأة فلما علم بذلك أبرهة عزم على قصد البيت الحرام وهدمه فدافعه ذو نفر في بعض العرب من أهل اليمن فهزم وكذا نفيل بن حبيب الخثعمي، ثم أتى الطائف فسار معه أبو رغال ليدله على الطريق إلى مكة ثم مات أبو رغال في الطريق.

            وأرسل أبرهة أحد جنوده فهجم على مكة وساق منها مائتي بعير لعبد المطلب فجاءه عبد المطلب وحادثه برد الإبل عليه فهو ربها وللبيت رب يحميه، فكان ما كان من قصة أصحاب الفيل وهلاك جندهم وهلاك أبرهة، وزاد الله بهذه الحادثة قريشا عزا في العرب وبيته مهابة وإعظاما.

            وملك بعد أبرهة ابنه يكسوم ثم ابنه مسروق ثم ملكها بعدهم سيف بن ذي يزن.

            وقد كان للعرب قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أيام قاتل فيها بعضهم بعضا وطالت بعض معاركهم فبلغت سنينا ومنها يوم البردان، ويوم عين أباغ، وأيام داحس والغبراء، وحرب الفجار إلى غير ذلك من أيامهم التي حفظت ورويت وطال ذكرها.

            كما وقعت أيام بين الأوس والخزرج حفظ منها حرب سمير ويوم السرارة ويوم بعاث وغيرها من الحروب والأيام التي محا أثرها الإسلام وألف الله به بين قلوبهم.

            كما كان من العرب أعلام ونبلاء انتشر ذكرهم وعرف فضلهم، منهم: خالد بن سنان العبسي، وحاتم الطائي أجود العرب، وعبد الله بن جدعان، وقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل وغيرهم كثير من أشراف العرب ونبلائهم.

            كما كان من أخبار أهل نجران وابتداء النصرانية فيهم عن طريق فيميون، وصالح على شريعة عيسى عليه السلام وما كان من قصة أصحاب الأخدود عند من جعلها بعد عيسى عليه السلام ثم حصل لهم ما حصل لسائر الناس من تبدل الشريعة والدين.

            وقد كان أول ما عبدت الأصنام في بني إسماعيل عليه السلام عندما طلبوا الفسح في البلاد فكان يحمل الرجل حجرا من أحجار البيت تعظيما للحرم فأينما نزلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة، حتى سلخ ذلك به إلى أن أصبحوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة. ثم كان ما وقع من عبادة ود وسواع ويغوث ونسر واتخاذ كل قبيلة صنما يعبدونه من دون الله، قد جاء عمرو بن لحي بهبل من أرض الشام وجعله بمكة وأمر الناس بتعظيمه وعبادته.

            وفشا ذلك في العرب حتى اتخذ كل أهل دار صنما يعبدونه من دون الله تعالى وقد اتخذت قريش مع الكعبة طواغيت مبنية جعلوا لها سدنة وحجابا ويهدون إليها كما يهدى للكعبة منها العزى واللات ومناة وذو الخلصة إلى غير ذلك من بيوت طواغيتهم.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية