وكان من حديثه أن ملكا من ملوك اليمن كان في يديه أسارى من مضر وربيعة وقضاعة ، فوفد عليه وفد من وجوه بني معد ، منهم : سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة ، وعوف بن محلم بن ذهل بن شيبان ، وعوف بن عمرو بن جشم بن ربيعة بن زيد بن مناة بن عامر الضحيان ، وجشم بن ذهل بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر الضحيان ، فلقيهم رجل من بهراء يقال له عبيد بن قراد ، وكان في الأسارى ، وكان شاعرا ، فسألهم أن يدخلوه في عدة من يسألون فيه ، فكلموا الملك فيه وفي الأسارى ، فوهبهم لهم ، فقال عبيد بن قراد البهراوي :
نفسي الفداء لعوف الفعال وعوف ولابن هلال جشم تداركني بعدما قد هوي
ت مستمسكا بعراقي الوذم ولولا سدوس وقد شمرت
بي الحرب زلت بنعلي القدم وناديت بهراء كي يسمعوا
وليس بآذانهم من صمم ومن قبلها عصمت قاسط
معدا إذا ما عزيز أزم
فاحتبس الملك عنده بعض الوفد رهينة وقال للباقين : إيتوني برؤساء قومكم لآخذ عليهم المواثيق بالطاعة لي وإلا قتلت أصحابكم . فرجعوا إلى قومهم فأخبروهم الخبر ، فبعث كليب وائل إلى ربيعة فجمعهم ، واجتمعت عليه معد ، وهو أحد النفر الذين اجتمعت عليهم معد ، على ما نذكره في مقتل كليب ، فلما اجتمعوا عليه سار بهم وجعل على مقدمته السفاح التغلبي ، وهو سلمة بن خالد بن كعب بن زهير بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن تغلب ، وأمرهم أن يوقدوا على خزاز نارا ليهتدوا بها ، وخزاز جبل بطخفة ما بين البصرة إلى مكة ، وهو قريب من سالع ، وهو جبل أيضا ، وقال له : إن غشيتك العدو فأوقد نارين . فبلغ مذحجا اجتماع ربيعة ومسيرها فأقبلوا بجموعهم ، واستنفروا من يليهم من قبائل اليمن وساروا إليهم ، فلما سمع أهل تهامة بمسير مذحج انضموا إلى ربيعة ، ووصلت مذحج إلى خزاز ليلا ، فرفع السفاح نارين . فلما رأى كليب النارين أقبل إليهم بالجموع فصحبهم ، فالتقوا بخزاز فاقتتلوا قتالا شديدا أكثروا فيه القتل ، فانهزمت مذحج وانفضت جموعها ، فقال السفاح في ذلك :
وليلة بت أوقد في خزاز هديت كتائبا متحيرات
ضللن من السهاد وكن لولا سهاد القوم أحسب هاديات
وقال الفرزدق يخاطب جريرا ويهجوه :
لولا فوارس تغلب ابنة وائل دخل العدو عليك كل مكان
ضربوا الصنائع والملوك وأوقدوا نارين أشرفتا على النيران
وقيل : إنه لم يعلم أحد من كان الرئيس يوم خزاز لأن عمرو بن كلثوم ، وهو ابن ابنة كليب ، يقول :
ونحن غداة أوقد في خزاز رفدنا فوق رفد الرافدينا
فلو كان جده الرئيس لذكره ولم يفتخر بأنه رفد ، ثم جعل من شهد خزازا متساندين فقال :
فكنا الأيمنين إذا التقينا وكان الأيسرين بنو أبينا
فصالوا صولة فيمن يليهم وصلنا صولة فيمن يلينا
فقال له : استأثرت على إخوتك ، يعني مضر ، ولما ذكر جده في القصيدة قال :
ومنا قبله الساعي كليب فأي المجد إلا قد ولينا
فلم يدع له الرياسة يوم خزاز ، وهي أشرف ما كان يفتخر له به .
حبيب بضم الحاء المهملة ، وفتح الباء الموحدة ، وسكون الياء تحتها نقطتان ، وآخره باء أخرى موحدة .