الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فانطلق عبد الله بن جحش حتى إذا كان مسيرة يومين فتح الكتاب فإذا فيه : «سر باسم الله وبركاته ، ولا تكرهن أحدا من أصحابك على السير معك ، وامض لأمري فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة ، فترصد عير قريش وتعلم لنا أخبارهم» . فلما نظر في الكتاب قال : سمعا وطاعة .

            وقرأه على أصحابه وقال : [قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة أرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر] وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم ، فمن كان يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ، ومن كره ذلك فليرجع . [فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم]» فقالوا أجمعون :

            «نحن سامعون مطيعون لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولك ، فسر على بركة الله» .

            فسار ومعه أصحابه لم يتخلف منهم أحد ، وسلك على الحجاز ، حتى إذا كان بمكان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه ، فتخلفا في طلبه يومين ، ولم يشهدا الموقعة ، وقدما المدينة بعدهم بأيام . ومضى عبد الله بن جحش في بقية أصحابه حتى نزل بنخلة . فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش جاءوا بها من الطائف ، فيها عمرو بن الحضرمي ، قال ابن هشام : واسم الحضرمي : عبد الله بن عباد ، ( ويقال : مالك بن عباد ) أحد الصدف ، واسم الصدف : عمرو بن مالك ، أحد السكون بن أشرس بن كندة ، ويقال : كندي . قال ابن اسحاق وعثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وأخوه نوفل بن عبد الله ، وقيل : بل أخوهما المغيرة ، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة .

            فلما رآهم أصحاب العير هابوهم وأنكروا أمرهم ، وقد نزلوا قريبا منهم . فحلق عكاشة بن محصن رأسه ، وقيل : واقد بن عبد الله ، ثم وافى ليطمئن القوم . فلما رأوه قالوا : لا بأس عليكم منهم ، قوم عمار . فأمنوا وقيدوا ركابهم وسرحوها وصنعوا طعاما .

            فاشتور المسلمون في أمرهم وذلك في آخر يوم من رجب ، ويقال : أول يوم من شعبان ، وقيل : في آخر يوم من جمادى الآخرة . فشكوا في ذلك اليوم أهو من الشهر الحرام ؟ أم لا .

            فقالوا : والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به ، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام . فتردد القوم وهابوا [الإقدام عليهم] . ثم شجعوا أنفسهم . وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم .

            فرمى واقد بن عبد الله [التميمي] عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، وشد المسلمون عليهم فأسروا عثمان بن عبد الله بن المغيرة ، والحكم بن كيسان ، أسره المقداد بن عمرو .

            وأعجز القوم نوفل بن عبد الله بن المغيرة ، عند من يقول إنه كان معهم ، ومن قال إن نوفلا لم يكن معهم جعل الهارب المغيرة .

            وحاز المسلمون العير ، وعزل عبد الله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس تلك الغنيمة ، وقسم سائرها بين أصحابه ، فكان أول خمس خمس في الإسلام ، وأول غنيمة ، وأول قتيل بأيدي المسلمين عمرو بن الحضرمي ، وأول أسير كان في الإسلام عثمان بن عبد الله ، والحكم بن كيسان .

            وذلك قبل أن [يفرض الخمس من المغانم ، فلما أحل الله تعالى الفيء بعد ذلك وأمر بقسمه وفرض الخمس فيه] وقع على ما كان صنع عبد الله بن جحش في تلك العير ، وقال بعضهم : بل قدموا بالغنيمة كلها . وروى الطبراني بسند حسن عن زر [بن حبيش] رضي الله تعالى عنه قال : أول مال خمس في الإسلام مال عبد الله بن جحش .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية