الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            اختلف متى كانت هذه الغزوة فقال البخاري ومن تبعه : أنها كانت بعد خيبر ، لأن أبا موسى الأشعري جاء من الحبشة سنة سبع بعد خيبر ، كما في الصحيح في باب غزوة خيبر . وصح أيضا كما في الصحيح أنه شهد ذات الرقاع ، وإذا كان ذلك كذلك لزم أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر ، وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة نجد صلاة الخوف .

            قال البخاري ، وأبو هريرة : إنما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم أيام خيبر أي فدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر ، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الغزوة كانت في جهة نجد ، أي لا تتعدد ، فإن نجدا وقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات . وذكرت في باب صلاته - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف ما يغني عن إعادته ، فيحتمل أن يكون أبو هريرة حضر التي بعد خيبر ، لا التي قبلها .

            والجواب أن غزوة نجد إذا أطلقت فالمراد بها غزوة ذات الرقاع ، كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة .

            وكذلك عبد الله بن عمر ، ذكر أنه - صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف بنجد ، وتقدم أن أول مشاهده الخندق ، فتكون ذات الرقاع بعد الخندق .

            وفي الصحيح عن جابر - رضي الله عنه - قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف في غزوة السابعة ، غزوة ذات الرقاع . قال الحافظ : قوله في غزوة السابعة ، من إضافة الشيء إلى نفسه على رأي ، أو فيه حذف تقديره : غزوة السفرة السابعة .

            وقال الكرماني وغيره : تقديره غزوة السنة السابعة ، أي من الهجرة ، وفي هذا التقدير نظر ، إذ لو كان مرادا لكان هذا نصا في أن غزوة ذات الرقاع تأخرت بعد خيبر ، نعم التنصيص بأنها سابع غزوة من غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - تأييد لما ذهب إليه البخاري من أنها كانت بعد خيبر ، فإنه إذا كان المراد الغزوات التي خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها بنفسه مطلقا ، سواء قاتل أو لم يقاتل ، فإن السابعة منها تقع قبل أحد ، ولم يذهب أحد إلى أن ذات الرقاع قبل أحد إلا ما سيأتي من تردد ابن عقبة ، وفيه نظر ، لأنهم متفقون على أن صلاة الخوف متأخرة عن غزوة الخندق ، فتعين أن يكون ذات الرقاع بعد قريظة ، فتعين أن المراد الغزوات التي وقع فيها القتال .

            والأولى منها بدر ، والثانية أحد ، والثالثة الخندق ، والرابعة قريظة ، والخامسة المريسيع ، والسادسة خيبر ، فيلزم من هذا أن تكون ذات الرقاع بعد خيبر للتنصيص على أنها السابعة ، فالمراد تاريخ الوقعة لا عدد المغازي ، وهذه العبارات أقرب مما وقع عند الإمام أحمد بلفظ كانت صلاة الخوف في السابعة ، فإنه يصح أن يكون التقدير في الغزوة السابعة ، كما يصح في غزوة السنة السابعة ، قلت : لا مزيد على هذا التحقيق البليغ ، فرحم الله الحافظ وجزاه خيرا .

            وجزم أبو معشر : بأنها كانت بعد بني قريظة ، وهو موافق لما ذهب إليه البخاري ، قال في الزهر - وأبو معشر من المعتمدين في المغازي .

            وقال ابن القيم بعد أن ذكر الخلاف في تاريخها : الصواب تحويل غزوة ذات الرقاع من هذا الموضع ، يعني كونه ذكرها بعد غزوة بني النضير ، وقبل غزوة بدر الموعد إلى بعد الخندق ، بل بعد خيبر .

            قال : وإنما ذكرته ههنا تقليدا لأهل المغازي والسير ، ثم تبين لنا وهمهم الثالث : قال ابن عقبة : لا ندري هل كانت ذات الرقاع قبل بدر أو بعدها ، أو قبل أحد أو بعدها . قال الحافظ : وهذا التردد لا حاصل له ، بل الذي ينبغي الجزم به أنها بعد غزوة بني قريظة ، لأن صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت ، وحديث وقوع صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع يدل على تأخرها بعد الخندق .

            الرابع : قال أبو الفتح - رحمه الله تعالى - جعل البخاري حديث أبي موسى حجة في أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر ، وليس في خبر أبي موسى ما يدل على شيء من ذلك . قال الحافظ - رحمه الله تعالى - وهذا النفي مردود ، والدلالة من ذلك واضحة كما تقدم تقريره .

            وقال الإمام علاء الدين الخازن - رحمه الله تعالى - وهذا الذي ذكره البخاري ظاهر الوضوح لأن سياق الأحاديث يدل على ما قاله .

            الخامس : ادعى الحافظ الدمياطي غلط الحديث الصحيح ، فإن جميع أهل السير على خلافه ، والجواب أن الاعتماد على ما في الحديث أولى ، لأن أصحاب المغازي مختلفون في زمانها ، فعند ابن إسحاق ، أنها بعد بني النضير ، وقبل الخندق في سنة أربع .

            وعند ابن سعد ، وابن حبان : إنها كانت في المحرم سنة خمس وجزم أبو معشر بأنها كانت بعد بني قريظة والخندق ، وجزم ابن عقبة بتقديمها ، لكن تردد في وقتها كما تقدم .

            وأيضا فقد ازداد حديث أبي موسى قوة بحديث أبي هريرة ، وبحديث ابن عمر كما تقدم تقريره .

            السادس : قيل : إن الغزوة التي شهدها أبو موسى ، وسميت ذات الرقاع غير غزوة ذات الرقاع التي وقعت فيها صلاة الخوف ، لأن أبا موسى قال في روايته : إنهم كانوا ستة أنفس ، والغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف . كان المسلمون فيها أضعاف ذلك ، والجواب عن ذلك أن العدد الذي ذكره أبو موسى محمول على من كان مرافقا له من إلزامه ، إلا أنه أراد من كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية