اختلف متى كانت هذه الغزوة فقال البخاري ومن تبعه : أنها كانت بعد خيبر ، لأن أبا موسى الأشعري جاء من الحبشة سنة سبع بعد خيبر ، كما في الصحيح في باب غزوة خيبر . وصح أيضا كما في الصحيح أنه شهد ذات الرقاع ، وإذا كان ذلك كذلك لزم أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر ، وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة نجد صلاة الخوف .
قال البخاري ، وأبو هريرة : إنما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم أيام خيبر أي فدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر ، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الغزوة كانت في جهة نجد ، أي لا تتعدد ، فإن نجدا وقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات . وذكرت في باب صلاته - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف ما يغني عن إعادته ، فيحتمل أن يكون أبو هريرة حضر التي بعد خيبر ، لا التي قبلها .
والجواب أن كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة . غزوة نجد إذا أطلقت فالمراد بها غزوة ذات الرقاع ،
وكذلك عبد الله بن عمر ، ذكر أنه - صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف بنجد ، وتقدم أن أول مشاهده الخندق ، فتكون ذات الرقاع بعد الخندق .
وفي الصحيح عن جابر - رضي الله عنه - قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف في غزوة السابعة ، غزوة ذات الرقاع . قال الحافظ : قوله في غزوة السابعة ، من إضافة الشيء إلى نفسه على رأي ، أو فيه حذف تقديره : غزوة السفرة السابعة .
وقال الكرماني وغيره : تقديره غزوة السنة السابعة ، أي من الهجرة ، وفي هذا التقدير نظر ، إذ لو كان مرادا لكان هذا نصا في أن غزوة ذات الرقاع تأخرت بعد خيبر ، نعم التنصيص بأنها سابع غزوة من غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - تأييد لما ذهب إليه البخاري من أنها كانت بعد خيبر ، فإنه إذا كان المراد الغزوات التي خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها بنفسه مطلقا ، سواء قاتل أو لم يقاتل ، فإن السابعة منها تقع قبل أحد ، ولم يذهب أحد إلى أن ذات الرقاع قبل أحد إلا ما سيأتي من تردد ابن عقبة ، وفيه نظر ، لأنهم متفقون على أن صلاة الخوف متأخرة عن غزوة الخندق ، فتعين أن يكون ذات الرقاع بعد قريظة ، فتعين أن المراد الغزوات التي وقع فيها القتال .
والأولى منها بدر ، والثانية أحد ، والثالثة الخندق ، والرابعة قريظة ، والخامسة المريسيع ، والسادسة خيبر ، فيلزم من هذا أن تكون ذات الرقاع بعد خيبر للتنصيص على أنها السابعة ، فالمراد تاريخ الوقعة لا عدد المغازي ، وهذه العبارات أقرب مما وقع عند الإمام أحمد بلفظ كانت صلاة الخوف في السابعة ، فإنه يصح أن يكون التقدير في الغزوة السابعة ، كما يصح في غزوة السنة السابعة ، قلت : لا مزيد على هذا التحقيق البليغ ، فرحم الله الحافظ وجزاه خيرا .
وجزم أبو معشر : بأنها كانت بعد بني قريظة ، وهو موافق لما ذهب إليه البخاري ، قال في الزهر - وأبو معشر من المعتمدين في المغازي .
وقال ابن القيم بعد أن ذكر الخلاف في تاريخها : الصواب تحويل غزوة ذات الرقاع من هذا الموضع ، يعني كونه ذكرها بعد غزوة بني النضير ، وقبل غزوة بدر الموعد إلى بعد الخندق ، بل بعد خيبر .
قال : وإنما ذكرته ههنا تقليدا لأهل المغازي والسير ، ثم تبين لنا وهمهم الثالث : قال ابن عقبة : لا ندري هل كانت ذات الرقاع قبل بدر أو بعدها ، أو قبل أحد أو بعدها . قال الحافظ : وهذا التردد لا حاصل له ، بل الذي ينبغي الجزم به أنها بعد غزوة بني قريظة ، لأن صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت ، وحديث وقوع صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع يدل على تأخرها بعد الخندق .
الرابع : قال أبو الفتح - رحمه الله تعالى - جعل البخاري حديث أبي موسى حجة في أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر ، وليس في خبر أبي موسى ما يدل على شيء من ذلك . قال الحافظ - رحمه الله تعالى - وهذا النفي مردود ، والدلالة من ذلك واضحة كما تقدم تقريره .
وقال الإمام علاء الدين الخازن - رحمه الله تعالى - وهذا الذي ذكره البخاري ظاهر الوضوح لأن سياق الأحاديث يدل على ما قاله .
الخامس : ادعى الحافظ الدمياطي غلط الحديث الصحيح ، فإن جميع أهل السير على خلافه ، والجواب أن الاعتماد على ما في الحديث أولى ، لأن أصحاب المغازي مختلفون في زمانها ، فعند ابن إسحاق ، أنها بعد بني النضير ، وقبل الخندق في سنة أربع .
وعند ابن سعد ، وابن حبان : إنها كانت في المحرم سنة خمس وجزم أبو معشر بأنها كانت بعد بني قريظة والخندق ، وجزم ابن عقبة بتقديمها ، لكن تردد في وقتها كما تقدم .
وأيضا فقد ازداد حديث أبي موسى قوة بحديث أبي هريرة ، وبحديث ابن عمر كما تقدم تقريره .
السادس : قيل : إن الغزوة التي شهدها أبو موسى ، وسميت ذات الرقاع غير غزوة ذات الرقاع التي وقعت فيها صلاة الخوف ، لأن أبا موسى قال في روايته : إنهم كانوا ستة أنفس ، والغزوة التي وقعت فيها صلاة الخوف . كان المسلمون فيها أضعاف ذلك ، والجواب عن ذلك أن العدد الذي ذكره أبو موسى محمول على من كان مرافقا له من إلزامه ، إلا أنه أراد من كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم .