الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ نزول صلاة الخوف ]

            ولما حانت الصلاة - صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه صلاة الخوف .

            وروى البيهقي عن جابر - رضي الله عنه - قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر ، فهم به المشركون ، فقالوا : دعوهم فإن لهم صلاة بعد هذه أحب إليهم من أبنائهم ، فنزل جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فصلى العصر صلاة الخوف .

            قال ابن سعد : وكان ذلك أول ما صلاها. أسند ابن هشام حديث صلاة الخوف هاهنا عن عبد الوارث بن سعيد التنوري ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن جابر بن عبد الله ، وعن عبد الوارث ، عن أيوب ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، وعن عبد الوارث ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر . ولكن لم يذكر في هذه الطرق غزوة نجد ولا ذات الرقاع ولم يتعرض لزمان ولا مكان . وفي كون غزوة ذات الرقاع - التي كانت بنجد لقتال بني محارب وبني ثعلبة بن غطفان - قبل الخندق نظر . وقد ذهب البخاري إلى أن ذلك كان بعد خيبر واستدل على ذلك ، بأن أبا موسى الأشعري شهدها ، كما سيأتي ، وقدومه إنما كان ليالي خيبر صحبة جعفر وأصحابه ، وكذلك أبو هريرة وقد قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة نجد صلاة الخوف . ومما يدل على أنها بعد الخندق أن ابن عمر إنما أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال أول ما أجازه يوم الخندق . وقد ثبت عنه في " الصحيح " أنه قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد . فذكر صلاة الخوف . وقول الواقدي : إنه عليه السلام خرج إلى ذات الرقاع في أربعمائة ، ويقال : سبعمائة ، من أصحابه ليلة السبت ، لعشر خلون من المحرم سنة خمس . فيه نظر ، ثم لا يحصل به نجاة من أن صلاة الخوف إنما شرعت بعد الخندق ; لأن الخندق كان في شوال سنة خمس على المشهور وقيل : في شوال سنة أربع . فتحصل على هذا القول مخلص من حديث ابن عمر فأما حديث أبي موسى ، وأبي هريرة فلا . قال ابن إسحاق وجماعة من أهل السير والمغازي في تاريخ هذه الغزاة ، وصلاة الخوف بها ، وتلقاه الناس عنهم وهو مشكل جدا ، فإنه قد صح ( أن المشركين حبسوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غابت الشمس ) .

            وفي " السنن " و " مسند أحمد " ، والشافعي رحمهما الله ( أنهم حبسوه عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جميعا ) .

            وذلك قبل نزول صلاة الخوف ، والخندق بعد ذات الرقاع سنة خمس .

            والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أول صلاة صلاها للخوف بعسفان كما قال أبو عياش الزرقي : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان ، فصلى بنا الظهر ، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد ، فقالوا : لقد أصبنا منهم غفلة ، ثم قالوا : إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم ، فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر ، فصلى بنا العصر ، ففرقنا فرقتين ) ، وذكر الحديث ، رواه أحمد وأهل السنن .

            وقال أبو هريرة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلا بين ضجنان وعسفان محاصرا للمشركين ، فقال المشركون : إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأموالهم ، أجمعوا أمركم ، ثم ميلوا عليهم ميلة واحدة ، فجاء جبريل ، فأمره أن يقسم أصحابه نصفين ) وذكر الحديث ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

            ولا خلاف بينهم أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق ، وقد صح عنه أنه صلى صلاة الخوف بذات الرقاع ، فعلم أنها بعد الخندق وبعد عسفان ، ويؤيد هذا أن أبا هريرة وأبا موسى الأشعري شهدا ذات الرقاع كما في " الصحيحين " عن أبي موسى أنه شهد غزوة ذات الرقاع ، وأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق لما نقبت .

            وأما أبو هريرة ففي " المسند " و " السنن " أن مروان بن الحكم سأله : هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ؟ قال : نعم ، قال : متى ؟ قال : عام غزوة نجد .

            وهذا يدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر ، وأن من جعلها قبل الخندق فقد وهم وهما ظاهرا ، ولما لم يفطن بعضهم لهذا ادعى أن غزوة ذات الرقاع كانت مرتين ، فمرة قبل الخندق ، ومرة بعدها على عادتهم في تعديد الوقائع إذا اختلفت ألفاظها أو تاريخها ، ولو صح لهذا القائل ما ذكره ، ولا يصح لم يمكن أن يكون قد صلى بهم صلاة الخوف في المرة الأولى لما تقدم من قصة عسفان ، وكونها بعد الخندق ، ولهم أن يجيبوا عن هذا بأن تأخير يوم الخندق جائز غير منسوخ ، وأن في حال المسايفة يجوز تأخير الصلاة إلى أن يتمكن من فعلها ، وهذا أحد القولين في مذهب أحمد - رحمه الله - وغيره ، لكن لا حيلة لهم في قصة عسفان أن أول صلاة صلاها للخوف بها ، وأنها بعد الخندق . فالصواب تحويل غزوة ذات الرقاع من هذا الموضع إلى ما بعد الخندق بل بعد خيبر ، وإنما ذكرناها هاهنا تقليدا لأهل المغازي والسير ، ثم تبين لنا وهمهم ، وبالله التوفيق . [ كيفية صلاة الخوف ]

            قال ابن هشام : عن جابر بن عبد الله في صلاة الخوف ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم سلم ، وطائفة مقبلون على العدو . قال : فجاءوا فصلى بهم ركعتين أخريين ، ثم سلم .

            قال ابن هشام : وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا أيوب ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صفين ، فركع بنا جميعا ، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسجد الصف الأول ، فلما رفعوا سجد الذين يلونهم بأنفسهم ، ثم تأخر الصف الأول ، وتقدم الصف الآخر حتى قاموا مقامهم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم وسجد الذين يلونه معه ؛ فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون بأنفسهم ، فركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ، وسجد كل واحد منهما بأنفسهم سجدتين

            وعن ابن عمر ، قال : يقوم الإمام وتقوم معه طائفة ، وطائفة مما يلي عدوهم ، فيركع بهم الإمام ويسجد بهم ، ثم يتأخرون فيكونون مما يلي العدو ، يتقدم الآخرون فيركع بهم الإمام ركعة ، ويسجد بهم ، ثم تصلي كل طائفة بأنفسهم ركعة ، فكانت لهم مع الإمام ركعة ركعة ، وصلوا بأنفسهم ركعة ركعة

            التالي السابق


            الخدمات العلمية