الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلي حيي بن أخطب وماله اللذين حملهما لما أجلي عن المدينة ،وما وقع في ذلك من الآيات

            قال محمد بن عمر : كان الحلي في أول الأمر في مسك حمل ، فلما كثر ، جعلوه في مسك ثور ، ثم في مسك جمل ، وكان ذلك الحلي يكون عند الأكابر من آل أبي الحقيق وكانوا يعيرونه العرب .

            وروى ابن سعد والبيهقي عن ابن عمر وابن سعد - بسند رجاله ثقات - عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - وهو صدوق سيئ الحفظ - عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على أهل خيبر صالحهم على أن يخرجوا بأنفسهم وأهليهم ، وللنبي - صلى الله عليه وسلم - الصفراء والبيضاء والحلقة والسلاح ، ويخرجهم ، وشرطوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يكتموه شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم .

            قال ابن عباس : فأتي بكنانة ، والربيع ، وكان كنانة زوج صفية ، والربيع أخوه أو ابن عمه ، فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أين آنيتكما التي كنتم تعيرونها أهل مكة ؟ » .

            وقال ابن عمر : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعم حيي «ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير ؟ »

            فقال : وقال ابن عباس : قالا : «هربنا ، فلم نزل تضعنا أرض وترفعنا أخرى ، فذهب في نفقتنا كل شيء .


            وقال ابن عمر : أذهبته النفقات والحروب ، فقال «العهد قريب ، والمال أكثر من ذلك» .

            وقال ابن عباس : فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنكما إن تكتماني شيئا فاطلعت عليه استحللت به دماءكما وذراريكما» . فقالا : نعم .

            وقال عروة ومحمد بن عمر فيما رواه البيهقي عنهما : فأخبر الله عز وجل رسوله - صلى الله عليه وسلم - بموضع الكنز ، فقال لكنانة «إنك لمغتر بأمر السماء» .

            قال ابن عباس : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من الأنصار فقال : «اذهب إلى قراح كذا وكذا ، ثم ائت النخل فانظر نخلة عن يمينك ، أو عن يسارك مرفوعة فأتني بما فيها»

            فجاءه بالآنية والأموال ، فقومت بعشرة آلاف دينار ، فضرب أعناقهما ، وسبى أهليهما بالنكث الذي نكثاه .


            وقال ابن إسحاق : أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكنانة بن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضير ، فسأله عنه فجحد أن يكون يعلم مكانه ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل من يهود ، قال ابن عقبة : اسمه ثعلبة وكان في عقله شيء ، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة ،

            فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكنانة : «أرأيت إن وجدناه عندك ، أقتلك ؟ » قال : نعم ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخربة فحفرت ، وأخرج منها بعض كنزهم ، ثم سأله عما بقي ، فأبى أن يؤديه ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزبير بن العوام ، فقال : «عذبه حتى تستأصل ما عنده»

            فكان الزبير - رضي الله عنه - يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى محمد بن مسلمة ، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة .
            وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم . بسبب نقض العهود منهم والمواثيق. وفيه : جواز عقد المهادنة عقدا جائزا ، للإمام فسخه متى شاء .

            ومنها : جواز تعليق عقد الصلح والأمان بالشرط ، كما عقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط أن لا يغيبوا ولا يكتموا .

            ومنها : جواز تقرير أرباب التهم بالعقوبة ، وأن ذلك من الشريعة العادلة لا من السياسة الظالمة .

            ومنها : الأخذ في الأحكام بالقرائن والأمارات ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكنانة : ( المال كثير والعهد قريب ) ، فاستدل بهذا على كذبه في قوله : أذهبته الحروب والنفقة .

            ومنها : أن من كان القول قوله إذا قامت قرينة على كذبه ، لم يلتفت إلى قوله ، ونزل منزلة الخائن .

            ومنها : أن أهل الذمة إذا خالفوا شيئا مما شرط عليهم ، لم يبق لهم ذمة ، وحلت دماؤهم وأموالهم ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهؤلاء الهدنة ، وشرط عليهم أن لا يغيبوا ولا يكتموا ، فإن فعلوا حلت دماؤهم وأموالهم ، فلما لم يفوا بالشرط استباح دماءهم وأموالهم ، وبهذا اقتدى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الشروط التي اشترطها على أهل الذمة ، فشرط عليهم أنهم متى خالفوا شيئا منها فقد حل له منهم ما يحل من أهل الشقاق والعداوة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية