قصة الشاة المسمومة وما وقع في ذلك من الآيات
قال ابن شهاب - رحمه الله تعالى - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما افتتح خيبر ، وقتل من قتل ، واطمأن الناس ، أهدت زينب ابنة الحارث امرأة سلام بن مشكم ، وهي ابنة أخي مرحب - لصفية امرأته شاة مصلية ، وقد سألت : أي عضو الشاة أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
فقيل لها الذراع ، فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور - بمهملات - فقدمت إليه الشاة المصلية ، فتناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتف ، وفي لفظ : الذراع ، وانتهس منها فلاكها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتناول بشر ابن البراء عظما ، فانتهس منه .
قال ابن إسحاق ، فأما بشر فأساغها ، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلفظها ، وقال ابن شهاب :
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارفعوا ما في أيديكم ، فإن كتف هذه الشاة تخبرني أني نعيت فيها . فلما استرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه
قال ابن شهاب : فقال بشر بن البراء : والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك ، فلما سغت ما في فيك لم أكن لأرغب بنفسي عن نفسك ورجوت ألا تكون استرطتها ، وفيها نعي . فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان ، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلا أن حول . قال الزهري قال جابر :
فقال : «ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عوادا حتى كان هذا وانقطع أبهري» ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده : واحتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كاهله يومئذ ، حجمه أبو هند مولى بني بياضة بالقرن والشفرة ، وبقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه . يا أم بشر ، إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر قال : فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات شهيدا ، مع ما أكرمه الله به من النبوة .
وذكر محمد بن عمر : أنه ألقى من لحم تلك الشاة لكلب فما تبعت يده رجله حتى مات .
وقال الصحابة السابق ذكرهم - رضي الله عنهم - وقد قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، ثنا ليث ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى اليهودية ، فقال : «أسممت هذه الشاة ؟ » فقالت : من أخبرك ؟ قال : «أخبرتني هذه التي في يدي وهي الذراع ، قالت : نعم ، قال : «ما حملك على ما صنعت ؟ » قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك . فقلت : إن كان ملكا استرحنا منه ، وإن كان نبيا فسيخبر ، فتجاوز - وفي لفظ - فعفا عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود " . فجمعوا له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني سائلكم عن شيء ، فهل أنتم صادقي عنه ؟ " قالوا : نعم يا أبا القاسم . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أبوكم ؟ قالوا : أبونا فلان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كذبتم ، بل أبوكم فلان " . قالوا : صدقت وبررت . فقال : " هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ " قالوا : نعم يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كذبنا ، كما عرفته في أبينا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أهل النار ؟ " فقالوا : نكون فيها يسيرا ، ثم تخلفونا فيها . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والله لا نخلفكم فيها أبدا " . ثم قال لهم : " هل أنتم صادقي عن شيء سألتكم ؟ " فقالوا : نعم يا أبا القاسم . فقال : " هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ " فقالوا : نعم . قال : " ما حملكم على ذلك ؟ " . قالوا : أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك ، وإن كنت نبيا لم يضرك
وقد رواه البخاري في الجزية ، عن عبد الله بن يوسف ،
وذكر محمد بن عمر :
قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي - فأبوها الحارث وعمها يسار وأخوها رحب وزوجها سلام بن مشكم . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : «ما حملك على هذا ؟ » قالت :
ووقع عند البزار من حديث أبي سعيد الخدري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد سؤاله للمرأة اليهودية واعترافها - بسط يده إلى الشاة
وقال لأصحابه :
«كلوا باسم الله» قال : فأكلنا وذكرنا اسم الله ، فلم يضر أحدا منا .
قال الحافظ عماد الدين بن كثير : وفيه نكارة وغرابة شديدة . قلت : وذكر محمد بن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بلحم الشاة فأحرق . حديث ذكره أبو القاسم بن عساكر ، في " تاريخه الكبير " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بعد أن أهدت له اليهودية الشاة المسمومة لا يأكل طعاما قدم له حتى يأكل منه من قدمه . واختلف في إسلام زينب بنت الحارث التي أهدت الشاة المسمومة وفي قتلها ، أما إسلامها ، فروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أنها أسلمت ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركها . قال معمر : والناس يقولون قتلها . وجزم بإسلامها سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها : وأما قتلها وتركها ، فروى البيهقي «وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك ، وقد استبان لي أنك صادق ، وأنا أشهدك ومن حضرك أني على دينك ، وأن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، قال : وانصرف عنها حين أسلمت . عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - ما عرض لها ، وعن جابر قال : فلم يعاقبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وروى ابن سعد عن شيخه محمد بن عمر بأسانيد له متعددة هذه القصة ، وفي آخرها فدفعها إلى أولياء بشر بن البراء فقتلوها قال محمد بن عمر : وهو أثبت وروى أبو داود من طريق الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه ، والزهري لم يسمع من جابر ، ورواه أيضا عن أبي هريرة .
قال البيهقي - رحمه الله - يحتمل أن يكون تركها أولا ، ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها ، وبذلك أجاب السهيلي - رحمه الله تعالى - وزاد : أنه تركها ، لأنه كان لا ينتقم لنفسه ، ثم قتلها ببشر قصاصا .
قال الحافظ - رحمه الله تعالى - : يحتمل أن يكون تركها أولا ، ثم لما مات بشر لكونها أسلمت ، وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لأن بموته يتحقق وجوب القصاص بشرطه .
وروى أبو سعد النيسابوري : أنه - صلى الله عليه وسلم - قتلها وصلبها ، فالله أعلم ووقع في سنن أبي داود أنها أخت مرحب ، وبه جزم السهيلي ، وعند البيهقي في الدلائل : بنت أخي مرحب ، وبه جزم الزهري كما في مغازي موسى بن عقبة وفيه أن من قتل به قصاصا ، كما قتلت اليهودية ببشر بن البراء . قتل غيره بسم يقتل مثله
ومنها : جواز وحل طعامهم . الأكل من ذبائح أهل الكتاب
ومنها : قبول ، فإن قيل : فلعل المرأة قتلت لنقض العهد لحرابها بالسم لا قصاصا ، قيل : لو كان قتلها لنقض العهد لقتلت من حين أقرت أنها سمت الشاة ، ولم يتوقف قتلها على موت الآكل منها . هدية الكافر
فإن قيل : فهلا قتلت بنقض العهد ؟ قيل : هذا حجة من قال : إن الإمام مخير في ناقض العهد كالأسير .
فإن قيل : فأنتم توجبون قتله حتما كما هو منصوص أحمد ، وإنما القاضي أبو يعلى ومن تبعه قالوا : يخير الإمام فيه ، قيل : إن كانت قصة الشاة قبل الصلح ، فلا حجة فيها ، وإن كانت بعد الصلح فقد اختلف في نقض العهد بقتل المسلم على قولين ، فمن لم ير النقض به فظاهر ، ومن رأى النقض به فهل يتحتم قتله أو يخير فيه ، أو يفصل بين بعض الأسباب الناقضة وبعضها ، فيتحتم قتله بسبب السبب ، ويخير فيه إذا نقضه بحرابه ولحوقه بدار الحرب ، وإن نقضه بسواهما كالقتل والزنى بالمسلمة والتجسس على المسلمين وإطلاع العدو على عوراتهم ؟ فالمنصوص تعين القتل ، وعلى هذا فهذه المرأة لما سمت الشاة صارت بذلك محاربة ، وكان قتلها مخيرا فيه ، فلما مات بعض المسلمين من السم قتلت حتما ؛ إما قصاصا وإما لنقض العهد بقتلها المسلم ، فهذا محتمل . والله أعلم . وإن قيل ما الجمع بين قوله - تعالى : والله يعصمك من الناس [المائدة 67] وبين حديث والجواب : الشاة المسمومة المصلية بالسم الصادر من اليهودية ؟
إن الآية نزلت عام تبوك ، والسم كان بخيبر ، قبل ذلك .