الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب ومن كان بقي بالحبشة ممن هاجر إليها من المسلمين ، ومن انضم إليهم من أهل اليمن ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مخيم بخيبر روى الشيخان ، والإسماعيلي ، وابن سعد ، وابن حبان ، وابن منده عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : لما بلغنا مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي ، أنا أصغرهم ، أحدهم أبو رهم - بضم الراء ، وسكون الهاء - والآخر أبو بردة ، إما قال : في بضع ، وإما قال : في ثلاثة أو اثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة - قال ابن منده : حتى جئنا مكة - ثم خرجنا في بر حتى أتينا المدينة - فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة : فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده ، فقال جعفر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثنا ، وأمرنا بالإقامة ، فأقيموا معنا ، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فتح خيبر قال : فأسهم لنا ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلا من شهد معه ، إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه ، قسم لهم معنا ، وذكر البيهقي - رحمه الله - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل الصحابة أن يشركوهم ففعلوا ذلك ، انتهى .

            قال : فكان أناس يقولون لنا : «يعني أصحاب» السفينة : سبقناكم بالهجرة .

            ودخلت أسماء - بنت عميس - بعين وسين مهملتين ، وبالتصغير - وهي ممن قدم معنا يومئذ - على حفصة زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرة ، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه ، فدخل عمر على حفصة ، وأسماء عندها ، فقال عمر حين رأى أسماء - رضي الله عنهم - من هذه ؟ فقالت : أسماء بنت عميس فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ، نحن أحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فغضبت وقالت : كلا والله يا عمر ، كنتم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطعم جياعكم ، ويعلم جاهلكم ، وكنا في دار ، أو أرض البعداء البغضاء بالحبشة ، وذلك في الله وفي رسوله ، وأيم الله لا أطعم طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسأله ، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك ،

            فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : يا نبي الله!! إن رجالا يفخرون علينا ، ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الأولين ، فقال : «من يقول ذلك ؟ » قلت : إن عمر قال كذا وكذا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «ما قلت له ؟ » قالت : قلت له كذا وكذا ، قال : «ليس بأحق لي منكم ، له ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم أهل السفينة - هجرتان»

            قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحابه يأتونني أرسالا يسألونني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم أفرح ، ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو بريدة : قالت أسماء : ولقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني ، وقال لكم الهجرة مرتين .


            وروى البيهقي عن جابر - رضي الله عنه - قال : لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر ، وقدم جعفر من الحبشة ، تلقاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل جبهته ، ثم قال : «والله ما أدري بأيهما أفرح ، بفتح خيبر ، أم بقدوم جعفر» .

            وروى البيهقي ، بسند فيه من لا يعرف حاله - عن جابر - رضي الله عنه - قال : لما قدم جعفر بن أبي طالب تلقاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما نظر جعفر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «حجل» قال أحد رواته : يعني مشى على رجل واحدة إعظاما منه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين عينيه . وأما ما روي في هذه القصة أن جعفرا لما نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حجل ، يعني : مشى على رجل واحدة إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعله أشباه الدباب الرقاصون أصلا لهم في الرقص ، فقال البيهقي ، وقد رواه من طريق الثوري عن أبي الزبير عن جابر : وفي إسناده إلى الثوري من لا يعرف .

            قلت : ولو صح لم يكن في هذا حجة على جواز التشبه بالدباب والتكسر والتخنث في المشي المنافي لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن هذا لعله كان من عادة الحبشة تعظيما لكبرائها كضرب الجوك عند الترك ونحو ذلك ، فجرى جعفر على تلك العادة وفعلها مرة ثم تركها لسنة الإسلام ، فأين هذا من القفز والتكسر والتثني والتخنث ؟! وبالله التوفيق .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية