الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره وأمر الناس بالجهاز والانكماش ، وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله ، فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا ، وأنفق عثمان بن عفان نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها .

            قال ابن هشام فحدثني من أثق به أن عثمان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض " . .

            وقد أخرج الإمام أحمد : بسنده عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة قال : جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة . قال : فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ، ويقول : " ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم " وقاله عبد الله بن أحمد في " مسند " أبيه : عن عبد الرحمن بن خباب السلمي قال : خطب النبي صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة ، فقال عثمان بن عفان : علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها . قال : ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث ، فقال عثمان : علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها . قال : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بيده هكذا يحركها ، وأخرج عبد الصمد يده ، كالمتعجب : " ما على عثمان ما عمل بعد هذا " وهكذا رواه الترمذي عن محمد بن بشار عن أبي داود الطيالسي عن سكن بن المغيرة أبي محمد مولى لآل عثمان به . وقال : غريب من هذا الوجه .

            ورواه البيهقي من طريق عمرو بن مرزوق عن سكن بن المغيرة به . وقال : ثلاث مرات ، وإنه التزم بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها . قال عبد الرحمن : فأنا شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر : " ما ضر عثمان بعدها " أو قال : " بعد اليوم " .

            وقال أبو داود الطيالسي : بسنده عن الأحنف بن قيس قال : سمعت عثمان بن عفان يقول لسعد بن أبي وقاص وعلي والزبير وطلحة : أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من جهز جيش العسرة غفر الله له " فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا قالوا : اللهم نعم ورواه النسائي من حديث حصين به . وذكر أبو عمرو في الدرر ، وتبعه في الإشارة : أن عثمان حمل على تسعمائة بعير ومائة فرس بجهازها ، وقال ابن إسحاق - رحمه الله تعالى - أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها . وقال محمد بن عمر - رحمه الله : وحمل رجال ، وقوى ناس دون هؤلاء من هم أضعف منهم ، حتى إن الرجل ليأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين فيقول : هذا البعير بيننا نعتقبه ، ويأتي الرجل بالنفقة فيعطيها بعض من يخرج حتى إن كان النساء يبعثن بما يقدرن عليه وفاء واثلة بن الأسقع وإكرام كعب بن عجرة وعن واثلة بن الأسقع ، - رضي الله عنه - قال : نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، فخرجت إلى أهلي - وقد خرج أول أصحابه - فطفت في المدينة أنادي : ألا من يحمل رجلا وله سهمه ؟ فإذا شيخ من الأنصار - سماه محمد بن عمر : كعب بن عجرة - فقال : سهمه على أن تحمله عقبة وطعامه معنا ؟ فقلت : نعم ، فقال : سر على بركة الله تعالى ، فخرجت مع خير صاحب حتى أفاء الله علينا .

            قال محمد بن عمر : بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة . قال :

            فأصابني قلائص - قال محمد بن عمر : ستة - فسقتهن حتى أتيته بهن ، فخرج فقعد على حقيبة من حقائب إبله ثم قال : سقهن مقبلات . فسقتهن ، ثم قال : سقهن مدبرات ، فقال : ما أرى قلائصك إلا كراما ، فقلت : إنما هي غنيمتك التي شرطت لك ، قال : خذ قلائصك يا ابن أخي ، فغير سهمك أردنا . ذكر حثه - صلى الله عليه وسلم - على النفقة والحملان في سبيل الله تبارك وتعالى

            في حديث عمران بن حصين - رضي الله عنهما - عند الطبراني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس كل يوم على المنبر فيدعو فيقول : "اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض . فلم يكن للناس قوة .

            قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - حض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصدقات فجاءوا بصدقات كثيرة ، فكان أول من جاء أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - جاء بماله كله أربعة آلاف درهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هل أبقيت لأهلك شيئا ؟ " فقال : أبقيت لهم الله ورسوله . وجاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بنصف ماله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هل أبقيت لأهلك شيئا ؟ " قال : نعم مثل ما جئت به ،

            وحمل العباس ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن عبادة - رضي الله عنهم - وحمل عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - مائتي أوقية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتصدق عاصم بن عدي - رضي الله عنه - بسبعين وسقا من تمر

            التالي السابق


            الخدمات العلمية