الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ اختصاص الرسول عليا بتأدية براءة عنه ]

            قال ابن إسحاق : وحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن أبي جعفر محمد بن علي رضوان الله عليه ، أنه قال : لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان بعث أبا بكر الصديق ليقيم للناس الحج ، قيل له : يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر ، فقال : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ، ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال له : اخرج بهذه القصة من صدر براءة ، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى ، أنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته ، فخرج علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء ، حتى أدرك أبا بكر بالطريق ، فلما رآه أبو بكر بالطريق قال : أأمير أم مأمور ؟ فقال : بل مأمور ، ثم مضيا . فأقام أبو بكر للناس الحج ، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج ، التي كانوا عليها في الجاهلية ، حتى إذا كان يوم النحر ، قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أيها الناس ، إنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريانا ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته ، وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم أو بلادهم ، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة إلا أحد كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة ، فهو له إلى مدته . فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ، ولم يطف بالبيت عريان . ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

            قال ابن إسحاق : فكان هذا من براءة فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العام ، وأهل المدة إلى الأجل المسمى . وفي هذه القصة دليل على أن يوم الحج الأكبر يوم النحر ، واختلف في حجة الصديق هذه ، هل هي التي أسقطت الفرض ، أو المسقطة هي حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ على قولين : أصحهما : الثاني ، والقولان مبنيان على أصلين ، أحدهما : هل كان الحج فرض قبل عام حجة الوداع أو لا ؟ والثاني : هل كانت حجة الصديق - رضي الله عنه - في ذي الحجة ، أو وقعت في ذي القعدة من أجل النسيء الذي كان الجاهلية يؤخرون له الأشهر ويقدمونها ؟ على قولين ، والثاني : قول مجاهد وغيره .

            وعلى هذا فلم يؤخر النبي - صلى الله عليه وسلم - الحج بعد فرضه عاما واحدا ، بل بادر إلى الامتثال في العام الذي فرض فيه ، وهذا هو اللائق بهديه وحاله صلى الله عليه وسلم ، وليس بيد من ادعى تقدم فرض الحج سنة ست أو سبع أو ثمان أو تسع دليل واحد . وغاية ما احتج به من قال : فرض سنة ست ، قوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) [ البقرة : 196 ] ، وهي قد نزلت بالحديبية سنة ست ، وهذا ليس فيه ابتداء فرض الحج ، وإنما فيه الأمر بإتمامه إذا شرع فيه ، فأين هذا من وجوب ابتدائه ، وآية فرض الحج ، وهي قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من ) ( استطاع إليه سبيلا ) [ آل عمران : 97 ] نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية