الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ ما نزل في الأمر بجهاد المشركين ]

            قال ابن إسحاق : ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد أهل الشرك ، ممن نقض من أهل العهد الخاص ، ومن كان من أهل العهد العام ، بعد الأربعة الأشهر التي ضرب لهم أجلا إلا أن يعدو فيها عاد منهم ، فيقتل بعدائه ، فقال : ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله أي من بعد ذلك على من يشاء والله عليم حكيم أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون

            [ ما نزل في الرد على قريش بادعائهم عمارة البيت ]

            قال ابن إسحاق : ثم ذكر قول قريش : إنا أهل الحرم ، وسقاة الحاج ، وعمار هذا البيت ، فلا أحد أفضل منا ؛ فقال : إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر أي إن عمارتكم ليست على ذلك ، وإنما يعمر مساجد الله أي من عمرها بحقها من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله أي فأولئك عمارها فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين وعسى من الله : حق .

            ثم قال تعالى : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله [ ما نزل في الأمر بقتال المشركين ]

            ثم القصة عن عدوهم ، حتى انتهى إلى ذكر حنين ، وما كان فيه ، وتوليهم عن عدوهم ، وما أنزل الله تعالى من نصره بعد تخاذلهم ، ثم قال تعالى : إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة وذلك أن الناس قالوا : لتنقطعن عنا الأسواق ، فلتهلكن التجارة ، وليذهبن ما كنا نصيب فيها من المرافق ، فقال الله عز وجل : وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله أي من وجه غير ذلك إن شاء إن الله عليم حكيم قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون أي ففي هذا عوض مما تخوفتم من قطع الأسواق ، فعوضهم الله بما قطع عنهم بأمر الشرك ، ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب ، من الجزية . [ ما نزل في أهل الكتابين ]

            ثم ذكر أهل الكتابين بما فيهم من الشر والفرية عليه ، حتى انتهى إلى قوله تعالى : إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم [ ما نزل في النسيء ]

            ثم ذكر النسيء ، وما كانت العرب أحدثت فيه . والنسيء ما كان يحل مما حرم الله تعالى من الشهور ، ويحرم مما أحل الله منها ، فقال : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم أي لا تجعلوا حرامها حلالا ، ولا حلالها حراما : أي كما فعل أهل الشرك إنما النسيء الذي كانوا يصنعون زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين .

            [ ما نزل في تبوك ]

            ثم ذكر تبوك وما كان فيها من تثاقل المسلمين عنها ، وما أعظموا من غزو الروم ، حين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهادهم ، ونفاق من نافق من المنافقين ، حين دعوا إلى ما دعوا إليه من الجهاد ، ثم ما نعى عليهم من إحداثهم في الإسلام ، فقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ثم القصة إلى قوله تعالى : يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم إلى قوله تعالى : إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار [ ما نزل في أهل النفاق ]

            ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، يذكر أهل النفاق : لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون أي إنهم يستطيعون عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ؟ . . . إلى قوله : لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم

            قال ابن إسحاق : وكان الذين استأذنوه من ذوي الشرف ، فيما بلغني ، منهم : عبد الله بن أبي ابن سلول ، والجد بن قيس ؛ وكانوا أشرافا في قومهم ، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معه ، فيفسدوا عليه جنده ، وكان في جنده قوم أهل محبة لهم ، وطاعة فيما يدعونهم إليه ، لشرفهم فيهم . فقال تعالى : وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين لقد ابتغوا الفتنة من قبل أي من قبل أن يستأذنوك ، وقلبوا لك الأمور أي ليخذلوا عنك أصحابك ويردوا عليك أمرك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وكان الذي قال ذلك ، فيما سمي لنا ، الجد بن قيس ، أخو بني سلمة ، حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهاد الروم . ثم كانت القصة إلى قوله تعالى : لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون أي إنما نيتهم ورضاهم وسخطهم لدنياهم . [ ما نزل في ذكر أصحاب الصدقات ]

            ثم بين الصدقات لمن هي ، وسمى أهلها ، فقال : إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم

            [ ما نزل بسبب صلاة النبي على ابن أبي ]

            قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : لما توفي عبد الله بن أبي ، دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه ، فقام إليه ؛ فلما وقف عليه يريد الصلاة ، تحولت حتى قمت في صدره ، فقلت : يا رسول الله ، أتصلي على عدو الله عبد الله بن أبي ابن سلول ؟ القائل كذا يوم كذا ، والقائل كذا يوم كذا ؟ أعدد أيامه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم حتى إذا أكثرت قال : يا عمر ، أخر عني ، إني قد خيرت فاخترت ، قد قيل لي : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ، فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له ، لزدت . قال : ثم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومشى معه حتى قام على قبره ، حتى فرغ منه . قال : فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم . فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق حتى قبضه الله تعالى [ ما نزل في المستأذنين ]

            قال ابن إسحاق : ثم قال تعالى : وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وكان ابن أبي من أولئك ، فنعى الله ذلك عليه ، وذكره منه ، ثم قال تعالى : لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله إلى آخر القصة .

            وكان المعذرون ، فيما بلغني نفرا من بني غفار ، منهم خفاف بن أيماء بن رحضة ، ثم كانت القصة لأهل العذر ، حتى انتهى إلى قوله : ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون وهم البكاءون .

            ثم قال تعالى : إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون والخوالف : النساء . ثم ذكر حلفهم للمسلمين واعتذارهم ، فقال : فأعرضوا عنهم إلى قوله تعالى : فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين [ ما نزل فيمن نافق من الأعراب ]

            ثم ذكر الأعراب ومن نافق منهم وتربصهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين ، فقال : ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق أي من صدقة أو نفقة في سبيل الله مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم

            ثم ذكر الأعراب أهل الإخلاص والإيمان منهم ، فقال : ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم [ ما نزل في السابقين من المهاجرين والأنصار ]

            ثم ذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وفضلهم ، وما وعدهم الله من حسن ثوابه إياهم ، ثم ألحق بهم التابعين لهم بإحسان ، فقال : رضي الله عنهم ورضوا عنه ثم قال تعالى : وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق أي لجوا فيه ، وأبوا غيره سنعذبهم مرتين والعذاب الذي أوعدهم الله تعالى مرتين ، فيما بلغني غمهم بما هم فيه من أمر الإسلام ، وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ، ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ، ثم العذاب العظيم الذي يردون إليه ، عذاب النار والخلد فيه .

            ثم قال تعالى : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم

            ثم قال تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها إلى آخر القصة . ثم قال تعالى : وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم وهم الثلاثة الذين خلفوا ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم حتى أتت من الله توبتهم . ثم قال تعالى : والذين اتخذوا مسجدا ضرارا إلخ القصة ثم قال تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ثم كان قصة الخبر عن تبوك ، وما كان فيها إلى آخر السورة .

            وكانت براءة تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده المبعثرة ، لما كشفت من سرائر الناس . وكانت تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية