الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            بعث خالد بن الوليد إلى العراق .

            لما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة ، بعث إليه الصديق أن يسير إلى العراق ، وأن يبدأ بفرج الهند ، وهي الأبلة ، ويأتي العراق من أعاليها ، وأن يتألف الناس ويدعوهم إلى الله ، عز وجل ، فإن أجابوا وإلا أخذ منهم الجزية ، فإن امتنعوا من ذلك كله قاتلهم في الله ، وأمره أن لا يكره أحدا على المسير معه ، ولا يستعين بمن ارتد عن الإسلام ، وإن كان قد عاد إليه ، وأمره أن يستصحب كل امرئ مر به من المسلمين ، وشرع أبو بكر في تجهيز السرايا والبعوث والجيوش إمدادا لخالد ، رضي الله عنه .

            قال الواقدي : اختلف في خالد ، فقائل يقول : مضى من وجهه ذلك من اليمامة إلى العراق . وقائل يقول : رجع من اليمامة إلى المدينة ، ثم سار إلى العراق من المدينة ، فمر على طريق الكوفة حتى انتهى إلى الحيرة . قلت : والمشهور الأول .

            وقد ذكر المدائني بإسناده أن خالدا توجه إلى العراق في المحرم سنة اثنتي عشرة ، فجعل طريقه البصرة وفيها قطبة بن قتادة ، وعلى الكوفة المثنى بن حارثة الشيباني .

            وقال محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان : إن أبا بكر كتب إلى خالد أن يسير إلى العراق ، فمضى خالد يريد العراق حتى نزل بقريات من السواد يقال لها : بانقيا ، وباروسما ، وأليس وصاحبها جابان ، فصالحه أهلها .

            قلت : وقد قتل منهم المسلمون قبل الصلح خلقا كثيرا ، وكان الصلح على ألف درهم ، وقيل : دينار . في رجب ، وكان الذي صالحه بصبهرى بن صلوبا ، ويقال : صلوبا بن بصبهرى . فقبل منهم خالد ، وكتب لهم كتابا .

            صلح الحيرة

            ثم أقبل حتى نزل الحيرة ، فخرج إليه أشرافها مع قبيصة بن إياس بن حية الطائي ، وكان أمره عليها كسرى بعد النعمان بن المنذر ، فقال لهم خالد : أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام ، فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين ، لكم ما لهم وعليكم ما عليهم ، فإن أبيتم فالجزية ، فإن أبيتم الجزية فقد أتيتكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة ; جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم . فقال له قبيصة : ما لنا بحربك من حاجة ، بل نقيم على ديننا ونعطيكم الجزية . فقال لهم خالد : تبا لكم ! إن الكفر فلاة مضلة ، فأحمق العرب من سلكها ، فلقيه منهم رجلان ; أحدهما عربي والآخر أعجمي ، فتركه واستدل بالعجمي . ثم صالحهم على تسعين ألفا . وفي رواية : مائتي ألف درهم . فكانت أول جزية أخذت من العراق وحملت إلى المدينة هي والقريات قبلها التي صالح عليها ابن صلوبا .

            قلت : وقد كان مع نائب كسرى على الحيرة ممن وفد إلى خالد عبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة ، وكان من نصارى العرب

            بعث خالد كتابا إلى كسرى بالمدائن ومرازبته ووزرائه

            ثم بعث خالد بن الوليد كتابا إلى أمراء كسرى بالمدائن ومرازبته ووزرائه ، كما قال هشام بن الكلبي عن الشعبي قال : أقرأني بنو بقيلة كتاب خالد بن الوليد إلى أهل المدائن : من خالد بن الوليد إلى مرازبة أهل فارس ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فالحمد لله الذي فض خدمتكم وسلب ملككم ، ووهن كيدكم ، وإنه من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ما لنا وعليه ما علينا ، أما بعد ، فإذا جاءكم كتابي فابعثوا إلي بالرهن ، واعتقدوا مني الذمة ، وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة . فلما قرأوا الكتاب أخذوا يتعجبون .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية