الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            عن المغيرة بن عتيبة ، وكان قاضي أهل الكوفة ، قال : فرق خالد مخرجه من اليمامة إلى العراق ، جنده ثلاث فرق ، ولم يحملهم على طريق واحدة ، فسرح المثنى قبله بيومين ودليله ظفر ، وسرح عدي بن حاتم وعاصم بن عمرو ودليلاهما مالك بن عباد وسالم بن نصر ، أحدهما قبل صاحبه بيوم ، وخرج خالد - يعني في آخرهم - ودليله رافع ، فواعدهم جميعا الحفير ليجتمعوا به ، ويصادموا عدوهم ، وكان فرج الهند أعظم فروج فارس شأنا وأشدها شوكة ، وكان صاحبه يحارب العرب في البر ، والهند في البحر ، وهو هرمز ، فكتب إليه خالد ، فبعث هرمز بكتاب خالد إلى شيرى بن كسرى ، وأردشير بن شيرى ، وجمع هرمز وهو نائب كسرى ، جموعا كثيرة ، وسار بهم إلى كاظمة ، وعلى مجنبتيه قباذ وأنوشجان - وهما من بيت الملك - وقد تقرن الجيش في السلاسل ; لئلا يفروا ، وكان هرمز هذا من أخبث الناس طوية وأشدهم كفرا ، وكان شريفا في الفرس ، وكان الرجل كلما ازداد شرفا زاد في حليته ، فكانت قلنسوة هرمز بمائة ألف ، وقدم خالد ومن معه من الجيش ، وهم ثمانية عشر ألفا فنزل تجاههم على غير ماء ، فشكى إليه أصحابه ذلك ، فقال : جالدوهم حتى تجلوهم عن الماء ، فإن الله جاعل الماء لأصبر الطائفتين . فلما استقر بالمسلمين المنزل وهم ركبان على خيولهم ، بعث الله سحابة فأمطرتهم حتى صار لهم غدران من ماء ، فقوي المسلمون بذلك ، وفرحوا فرحا شديدا ، فلما تواجه الصفان وتقابل الفريقان ، ترجل هرمز ودعا إلى البراز ، فترجل خالد وتقدم إلى هرمز ، فاختلفا ضربتين واحتضنه خالد ، وجاءت حامية هرمز فما شغله عن قتله ، وحمل القعقاع بن عمرو على حامية هرمز فأناموهم ، وانهزم أهل فارس ، وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل ، واستحوذ خالد على أمتعتهم وسلاحهم ، فبلغ وقر ألف بعير ، وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل ; لكثرة من سلسل بها من فرسان فارس ، وأفلت قباذ وأنوشجان . ولما رجع الطلب نادى منادي خالد بالرحيل ، فسار بالناس وتبعته الأثقال حتى نزل بموضع الجسر الأعظم من البصرة اليوم ، وبعث بالفتح والبشارة والخمس ، مع زر بن كليب ، إلى الصديق ، وبعث معه بفيل ، فلما رآه نسوة أهل المدينة جعلن يقلن : أمن خلق الله هذا أم شيء مصنوع ؟ ! فرده الصديق مع زر ، وبعث أبو بكر لما بلغه الخبر إلى خالد ، فنفله سلب هرمز ، وكانت قلنسوته بمائة ألف ، وكانت مرصعة بالجوهر ، وبعث خالد الأمراء يمينا وشمالا يحاصرون حصونا هنالك ، ففتحوها عنوة وصلحا ، وأخذوا منها أموالا جمة ، ولم يكن خالد يتعرض للفلاحين - من لم يقاتل منهم - ولا لأولادهم ، بل للمقاتلة من أهل فارس .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية