الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            بذل ماله وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم

            ذكر أفعاله الجميلة في الإسلام وفضائله ونفقته رضي الله عنه

            قد بينا أنه أول من أسلم وشهد بدرا والمشاهد كلها .

            عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت:

            أتى الصريخ إلى أبي [بكر رضي الله عنه] ، فقيل له: أدرك صاحبك ، فخرج من عندنا وإن له غدائر ، فدخل المسجد وهو يقول: [ويلكم] أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ، قال: فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأقبلوا على أبي بكر [فرجع إلينا أبو بكر] فجعل لا يمير شيئا من غدائره إلا جاء معه وعن الزهري قال-] .

            قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحسان بن ثابت: "هل قلت في أبي بكر شيئا"؟ فقال: نعم ، فقال: "قل وأنا أسمع" ، فقال:


            وثاني اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به إذ صعد الجبلا     وكان ردف رسول الله قد علموا
            من البرية لم يعدل به رجلا

            فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه ، ثم قال: "صدقت يا حسان ، هو كما قلت" .


            وعن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:

            أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نتصدق وقد وافق ذلك مالا عندي ، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما ، قال: ثم جئت بنصف مالي ، قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟ " قلت: مثله . وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

            "ما أبقيت لأهلك؟ " قال: أبقيت لهم الله ورسوله ، فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا .


            وعن أبي هريرة ، قال:

            قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر" فبكى أبو بكر وقال:

            وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله .
            وعن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطب فقال: "إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقى باب في المسجد إلا سد إلا باب أبي بكر" .

            أخرجاه في الصحيحين .

            وفي إفراد البخاري من حديث أبي الدرداء ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في أمر جرى بين أبي بكر وعمر: "إن الله بعثني إليكم فقلتم كذب ، وقال أبو بكر: صدقت ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين" . فيما أنزل من الآيات في مدحه، أو تصديقه أو أمر من شأنه

            قال الله تعالى: ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه [التوبة: 40] أجمع المسلمون على أن الصاحب المذكور أبو بكر وسيأتي فيه أثر عنه.

            وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: فأنزل الله سكينته عليه قال: (على أبي بكر ; إن النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل السكينة عليه).

            وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف، وأبي بن خلف، ببردة وعشر أواق، فأعتقه لله، فأنزل الله: والليل إذا يغشى إلى قوله: إن سعيكم لشتى [الليل: 1 - 4] سعي أبي بكر، وأمية، وأبي.

            وأخرج ابن جرير عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال أبوه: أي بني، أراك تعتق أناسا ضعافا، فلو أنك تعتق رجالا جلدا يقومون معك، ويمنعونك ويدفعون عنك؟ ! قال: (أي أبت، إنما أريد ما عند الله)، قال: فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه: فأما من أعطى واتقى [الليل: 5] إلى آخرها.

            وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عروة: (أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - أعتق سبعة كلهم يعذب في الله، وفيه نزلت: وسيجنبها الأتقى... [الليل: 17] إلى آخر السورة.

            وأخرج البزار عن عبد الله بن الزبير قال: (نزلت هذه الآية: وما لأحد عنده من نعمة تجزى [الليل: 19] إلى آخر السورة في أبي بكر الصديق، رضي الله عنه.

            وأخرج البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - (أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين).

            وأخرج البزار وابن عساكر عن أسيد بن صفوان - وكانت له صحبة - قال: قال علي بن أبي طالب: (والذي جاء بالحق) محمد، (وصدق به): أبو بكر الصديق، قال ابن عساكر : هكذا الرواية (بالحق) ولعلها قراءة لعلي.

            وأخرج الحاكم عن ابن عباس في قوله تعالى: وشاورهم في الأمر [آل عمران: 159] قال: (نزلت في أبي بكر وعمر).

            وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال: نزلت: ولمن خاف مقام ربه جنتان [الرحمن: 46] في أبي بكر - رضي الله عنه - وله طرق أخرى ذكرتها في «أسباب النزول».

            وأخرج الطبراني في «الأوسط» عن ابن عمر وابن عباس في قوله تعالى: وصالح المؤمنين [التحريم: 4] قال: (نزلت في أبي بكر وعمر).

            وأخرج عبد بن حميد في «تفسيره» عن مجاهد قال: لما نزلت: إن الله وملائكته يصلون على النبي [الأحزاب: 56] قال أبو بكر: (يا رسول الله، ما أنزل الله عليك خيرا... إلا أشركنا فيه!!)، فنزلت هذه الآية: هو الذي يصلي عليكم وملائكته [الأحزاب: 43].

            وأخرج ابن عساكر عن علي بن الحسين: (أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين [الحجر: 47].

            وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: (نزلت في أبي بكر الصديق: ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا إلى قوله: وعد الصدق الذي كانوا يوعدون [الأحقاف: 15، 16].

            وأخرج ابن عساكر عن ابن عيينة قال: (عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر وحده، فإنه خرج من المعاتبة، ثم قرأ: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار [التوبة: 40]. أعظم فضائل أبي بكر رضي الله عنه

            ومن أعظم فضائل أبي بكر رضي الله عنه فتواه في حضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

            عن أبي قتادة ، قال:

            خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين [علا رجلا] من المسلمين ، فاستدرت له حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه ، فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أدركه الموت ، فأرسلني ، فلحقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله ، ثم إن الناس رجعوا ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ، فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست [ثم قال: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه . فقمت ، فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست] ، ثم قال الثالثة مثله ، فقمت [فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما لك يا أبا قتادة؟ فاقتصصت عليه القصة] فقال رجل: صديق يا رسول الله وسلبه عندي ، فأرضه عني ، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لاها الله إذا لا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله نعطيك سلبه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "صدق فأعطه"



            وعن سهل بن سعد ، قال:

            كان قتال بين بني عمرو بن عوف ، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم ، فقال: "يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس" . [قال]: فلما حضرت العصر أقام بلال الصلاة ، ثم أمر أبا بكر فتقدم بهم ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما دخل أبو بكر في الصلاة ، فلما رأوه صفحوا وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشق الناس حتى قام خلف أبي بكر ، [قال]: وكان أبو بكر إذا دخل في الصلاة لم يلتفت ، فلما رأى التصفيح لا يمسك عنه ، التفت فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلفه ، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده أن امضه ، فقام أبو بكر كهيئته فحمد الله على ذلك ثم مشى القهقرى ، [قال]: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بالناس ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته قال: يا أبا بكر ، ما منعك إذ أومأت إليك [أن] لا تكون مضيت ، قال: فقال أبو بكر: لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله فقال للناس: "إذا نابكم في صلاتكم [شيء] فليسبح الرجال وليصفح النساء" . أخرجاه في الصحيحين .

            وعن ابن عمر ، قال:

            كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده أبو بكر رضي الله عنه وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ، [فنزل عليه جبريل ، فقال: يا محمد ، ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال؟] فقال: "يا جبريل ، أنفق ماله علي قبل الفتح" ، فقال: إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك: قل له: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا بكر ، إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ " ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أأسخط عن ربي ، أنا عن ربي راض ، أنا عن ربي راض ، أنا عن ربي راض .

            وعن أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبيه] ، قال:

            كان أبو بكر رضي الله عنه معروفا بالتجارة ، ولقد بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده أربعون ألف درهم ، فكان يعتق منها ويقوي المسلمين حتى قدم المدينة بخمسة آلاف درهم ، ثم كان يفعل فيها ما كان يفعل بمكة .

            أدبه وذكائه رضي الله عنه

            أخرج أبو نعيم أن أبا بكر قيل له: يا خليفة رسول الله ألا تستعمل أهل بدر؟ قال: (إني أرى مكانهم ; ولكني أكره أن أدنسهم بالدنيا).

            وأخرج أحمد في «الزهد» عن إسماعيل بن محمد : أن أبا بكر قسم قسما فسوى فيه بين الناس؟، فقال له عمر : (تسوي بين أصحاب بدر وسواهم من الناس؟) فقال أبو بكر: (إنما الدنيا بلاغ، وخير البلاغ أوسعه، وإنما فضلهم في أجورهم).

            التالي السابق


            الخدمات العلمية