ذكر ورعه رضي الله عنه
عن زيد بن أرقم ، قال:
كان لأبي بكر الصديق مملوك يغل عليه ، فأتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة ، فقال له المملوك: ما لك كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة؟ قال: حملني على ذلك الجوع ، من أين جئت بهذا؟ قال: مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني ، فلما كان اليوم مررت بهم فإذا عرس لهم ، فأعطوني ، فقال: أف لك ، كدت أن تهلكني ، فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ وجعلت لا تخرج ، فقيل له: إن هذه لا تخرج إلا بالماء ، فدعا من ماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى رمى بها ، فقيل له: يرحمك الله ، كل هذا من أجل هذه اللقمة ، قال: لولا تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة . "كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به" .
وقد روى ابن الجوزي بإسناده عن إبراهيم النخلي قال:
. كان أبو بكر يسمى الأواه ، لرأفته ورحمته
تجارته في السوق على عادته
وخرج عقيب ولايته ليتجر في السوق على عادته
وعن عطاء بن السائب ، قال:
لما استخلف أبو بكر رضي الله عنه ، فلقيه عمر [بن الخطاب] وأبو عبيدة [بن الجراح] فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق ، قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ فقال: من أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئا، فانطلق معهما، ففرضوا له كل يوم شطر شاة . أصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها ،
وعن حميد بن هلال ، قال:
لما ولي أبو بكر رضي الله عنه قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: افرضوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يغنيه ، قالوا: نعم ، برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما ، وظهره إذا سافر ، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف ، قال أبو بكر: رضيت .
وعن عمرو بن ميمون ، عن أبيه ، قال:
لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين ، فقال: زيدوني فإن لي عيالا وقد شغلتموني عن التجارة ، قال: فزادوه خمسمائة .
قال: وكان يحلب للحي أغنامهم ، فلما بويع قالت جارية من الحي: الآن لا تحلب لنا مناتح دارنا ، فسمعها أبو بكر ، فقال: بلى [لعمري] لأحلبنها لكم ، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه ، فكان يحلب لهم .
وروى الواقدي عن أشياخ?ه ، قال: كان منزل أبي بكر بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة ، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة ، فأقام بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى منزله بالمدينة ، وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس ، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح ، وكان إذا لم يحضر صلى بهم عمر ، وكان يقيم يوم الجمعة صدر النهار بالنسغ ، يصبغ رأسه ولحيته ، ثم يروح إلى الجمعة .
فلما حضرته الوفاة ، قال: أرضي التي بمكان كذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم ، فدفع ذلك إلى عمر ، ولقوح ، وعبد صيقل ، وقطيفة ما تساوي خمسة دراهم ، فقال عمر: لقد أتعب من بعده .
وفي رواية أخرى أنه قال: انظروا كم أنفقت منذ وليت من بيت المال فاقضوه ، فنظر عمر فوجدوا مبلغه ثمانية آلاف في ولايته