الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر ورعه رضي الله عنه

            عن زيد بن أرقم ، قال:

            كان لأبي بكر الصديق مملوك يغل عليه ، فأتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة ، فقال له المملوك: ما لك كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة؟ قال: حملني على ذلك الجوع ، من أين جئت بهذا؟ قال: مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني ، فلما كان اليوم مررت بهم فإذا عرس لهم ، فأعطوني ، فقال: أف لك ، كدت أن تهلكني ، فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ وجعلت لا تخرج ، فقيل له: إن هذه لا تخرج إلا بالماء ، فدعا من ماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى رمى بها ، فقيل له: يرحمك الله ، كل هذا من أجل هذه اللقمة ، قال: لولا تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به" . فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة .

            وقد روى ابن الجوزي بإسناده عن إبراهيم النخلي قال:

            كان أبو بكر يسمى الأواه ، لرأفته ورحمته .

            تجارته في السوق على عادته

            وخرج عقيب ولايته ليتجر في السوق على عادته

            وعن عطاء بن السائب ، قال:

            لما استخلف أبو بكر رضي الله عنه ، أصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها ، فلقيه عمر [بن الخطاب] وأبو عبيدة [بن الجراح] فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق ، قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ فقال: من أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئا، فانطلق معهما، ففرضوا له كل يوم شطر شاة .

            وعن حميد بن هلال ، قال:

            لما ولي أبو بكر رضي الله عنه قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: افرضوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يغنيه ، قالوا: نعم ، برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما ، وظهره إذا سافر ، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف ، قال أبو بكر: رضيت .

            وعن عمرو بن ميمون ، عن أبيه ، قال:

            لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين ، فقال: زيدوني فإن لي عيالا وقد شغلتموني عن التجارة ، قال: فزادوه خمسمائة .

            قال: وكان يحلب للحي أغنامهم ، فلما بويع قالت جارية من الحي: الآن لا تحلب لنا مناتح دارنا ، فسمعها أبو بكر ، فقال: بلى [لعمري] لأحلبنها لكم ، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه ، فكان يحلب لهم .

            وروى الواقدي عن أشياخ?ه ، قال: كان منزل أبي بكر بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة ، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة ، فأقام بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى منزله بالمدينة ، وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس ، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح ، وكان إذا لم يحضر صلى بهم عمر ، وكان يقيم يوم الجمعة صدر النهار بالنسغ ، يصبغ رأسه ولحيته ، ثم يروح إلى الجمعة .

            فلما حضرته الوفاة ، قال: أرضي التي بمكان كذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم ، فدفع ذلك إلى عمر ، ولقوح ، وعبد صيقل ، وقطيفة ما تساوي خمسة دراهم ، فقال عمر: لقد أتعب من بعده .

            وفي رواية أخرى أنه قال: انظروا كم أنفقت منذ وليت من بيت المال فاقضوه ، فنظر عمر فوجدوا مبلغه ثمانية آلاف في ولايته

            التالي السابق


            الخدمات العلمية