الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ليلة الهرير



            فلما أمسى الناس في يومهم ذلك ، وهو اليوم الثالث وطعنوا في الليل ، اشتد القتال وصبر الفريقان ، وقامت فيها الحرب إلى الصباح لا ينطقون ، كلامهم الهرير ، فسميت ليلة الهرير . وقيل : إنما سميت بذلك لتركهم الكلام إنما كانوا يهرون هريرا ، وأرسل سعد طليحة وعمرا ليلة الهرير إلى مخاضة أسفل العسكر ، ليقوموا عليها خشية أن يأتيه القوم منها . فلما أتياها قال طليحة : لو خضنا وأتينا الأعاجم من خلفهم . قال عمرو : بل نعبر أسفل . فافترقا ، وأخذ طليحة وراء العسكر وكبر ثلاث تكبيرات ، ثم ذهب وقد ارتاع أهل فارس وتعجب المسلمون ، وطلبه الأعاجم فلم يدركوه .

            وأما عمرو فإنه أغار أسفل المخاضة ورجع ، وخرج مسعود بن مالك الأسدي ، وعاصم بن عمرو ، وابن ذي البردين الهلالي ، وابن ذي السهمين ، وقيس بن هبيرة الأسدي وأشباههم فطاردوا القوم ، فإذا هم لا يشدون ولا يريدون غير الزحف ، فقدموا صفوفهم وزاحفهم الناس بغير إذن سعد ، وكان أول من زاحفهم القعقاع ، وقال سعد : اللهم اغفرها له وانصره ، فقد أذنت له إن لم يستأذني . ثم قال : أرى الأمر ما فيه هذا ، فإذا كبرت ثلاثا فاحملوا ، وكبر واحدة فلحقهم أسد ، فقال : اللهم اغفرها لهم وانصرهم . ثم حملت النخع فقال : اللهم اغفرها لهم وانصرهم . ثم حملت بجيلة فقال : اللهم اغفرها لهم وانصرهم . ثم حملت كندة فقال : اللهم اغفرها لهم وانصرهم . ثم زحف الرؤساء ورحا الحرب تدور على القعقاع ، وتقدم حنظلة بن الربيع ، وأمراء الأعشار ، وطليحة ، وغالب ، وحمال ، وأهل النجدات ، ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضا ، وخالطوا القوم ، واستقبلوا الليل استقبالا بعدما صلوا العشاء ، وكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ليلتهم إلى الصباح ، وأفرغ الله الصبر عليهم إفراغا ، وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها ، ورأى العرب والعجم أمرا لم يروا مثله قط ، وانقطعت الأخبار والأصوات عن سعد ورستم ، وأقبل سعد على الدعاء ، فلما كان عند الصبح انتمى الناس ، فاستدل بذلك على أنهم الأعلون ، وكان أول شيء سمعه نصف الليل الباقي صوت القعقاع بن عمرو وهو يقول :


            نحن قتلنا معشرا وزائدا أربعة وخمسة وواحدا     نحسب فوق اللبد والأساودا
            حتى إذا ماتوا دعوت جاهدا     الله ربي واحترزت عامدا



            وقتلت كندة تركا الطبري ، وكان مقدما فيهم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية