الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

            توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه في السنة الثالثة عشر من الهجرة وأوصى بالخلافة لعمر رضي الله عنه، وقد رضي الصحابة بيعته، فلما ولي الخلافة رضي الله عنه كان أول ما قام به أنه عزل خالدا عن قيادة الجيش وولى أبا عبيدة رضي الله عنه وذلك عن غير خيانة ولا عجز وإنما خشي أن يفتن الناس به، وإن كان قد نقم عليه أشياء أثناء جهاده هي أخطاء لها ظروفها التاريخية.

            وفي هذا العام بعث أبو عبيدة خالدا فافتتح البقاع بالسيف. كما كانت معركة فحل وفتح بيسان وطبرية، وفيه جاء المثنى بن حارثة إلى الصديق يستمده خشية على العراق بعد أن خرج خالد بعدد من الجيش إلى أبي عبيدة في الشام فوجد أبا بكر في مرض الموت وقد أوصى عمر بأن يندب الناس إلى الخروج مع المثنى إلى العراق فقام عمر فندب الناس أياما فلم ينهض أحد حتى قام أبو عبيدة بن مسعود الثقفي ثم تتابع الناس من بعده فأمره عمر على الجيش.

            وفيه كان اضطراب ملك الفرس وكان من آخر أمرهم أن اجتمعوا على يزدجرد ونقض أهل السواد عهدهم وخفروا ذممهم.

            وفي هذه السنة كانت معركة النمارق والسقاطية بكسكر، ووقعة الجسر والتي انحاز فيها المسلمون بعدما قتل منهم عدد أكثرهم غرقا وقتل فيها أبو عبيدة بن مسعود الثقفي الأمير، وقد اقتص المسلمون في معركة البويب، وفيها كانت أليس الصغرى، وفيها أرسل عمر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أميرا على العراق، وفيها كانت وقعة سوق الخنافس وسوق بغداد.

            ثم دخلت سنة أربعة عشر من الهجرة وفيها كان فتح دمشق على الراجح وذلك بعد حصارها وقد اختلف في فتحها هل كان صلحا أم عنوة ورجح الكثيرون أن نصفها صلحا ونصفها عنوة.

            وفي هذا العام كانت معركة القادسية وأيامها يوم أرماث، ويوم أغواث، ويوم عماس وليلة الهرير ويوم القادسية والذي كان فيه الفتح من الله سبحانه على عباده الموحدين.

            وفيها كانت ولاية عتبة بن غزوان على البصرة، وجمع عمر المسلمين على صلاة التراويح في رمضان.

            ثم دخلت سنة خمس عشرة من الهجرة، وفيها كانت معركة مرج راهط، وفتح حمص وحماة وبعلبك واللاذقية والعديد من البلدان والقرى، وفتح قنسرين ودخول هرقل القسطنطينية، وفتح حلب وأنطاكية وغيرها، وفتح قيسارية وحصر غزة، ومسير عمرو بن العاص إلى إيلياء، ومعركة أجنادين، وفتح بيت المقدس على يد عمر رضي الله عنه، وفرض عمر بن الخطاب العطاء والفروض للمسلمين.

            ثم دخلت سنة ستة عشر، وفيها كان فتح مدينتي بهرسير والمدائن، ومعركة جلولاء، وقد فتح الله فيها على المسلمين، وفتح حلوان على يد القعقاع، وفتح تكريت والموصل، وفتح ماسبذان، وفتح قرقيسياء وهيت، وفيها كان اعتماد عمر بن الخطاب رضي الله عنه التقويم الهجري، وكانت بدايته من شهر الله المحرم.

            ثم دخلت سنة سبع عشرة من الهجرة وفيها كان بناء الكوفة والبصرة وذلك بعدما رأى عمر من تغير ألوان من أتاه من الجيش، فأمر سعدا أن يرسل سلمان وحذيفة رائدين فليرتادا منزلا بريا بحريا ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر. وقد نزل المسلمون بهما وسكن سعدا الكوفة.

            وفيها كان إعانة عمر أبا عبيدة رضي الله عنهما وأهل حمص بعد حصار الروم لهم، وقدوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، وفتح الجزيرة وأرمينية، وفيها كانت توسعة المسجد الحرام وتجديد أنصاب الحرم، وفتح الأهواز ومناذر ونهر تيرى، وصلح الهرمزان وأهل تستر مع المسلمين، وغزو بلاد فارس من ناحية البحرين، وعزل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن ولاية الكوفة، عن غير عجز أو خيانة وذلك لما شكوه أهلها، وعزل المغيرة بن شعبة عن ولاية البصرة بعدما اتهم خطأ على أم جميل، وتولية أبي موسى الأشعري، وفتح رامهرمز وتستر وأسر الهرمزان، وفتح السوس والقدوم بالهرمزان على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة، وفتح ومصالحة أهل جنديسابور، وإذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمسلمين في الانسياح في بلاد فارس، ووقوع طاعون عمواس، وعزل خالد رضي الله عنه عن الجيش وقدومه المدينة، وفيها كان زواج عمر بن الخطاب بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

            ثم دخلت سنة ثماني عشرة من الهجرة وفيها كان عام الرمادة، حيث وقع القحط في الشام والحجاز حتى أرسل عمر إلى أمراء الأمصار يستمدهم من البصرة ومصر واستسقى عمر الناس وتوسل بدعاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها توفي عدد كبير من الصحابة والناس في طاعون عمواس بلغوا قرابة خمسة وعشرين ألفا، وفيها كان تحويل عمر المقام إلى موضعه اليوم وكان ملصقا بالبيت قبل ذلك.

            ثم دخلت سنة تسع عشرة من الهجرة وفيها كان ظهور نار من حرة ليلى فأمر عمر الناس بالصدقة ففعلوا فأطفأها الله سبحانه، وفيها كانت توسعة المسجد النبوي فزاد في مقدمه وزاد في ناحية دار مروان، وعمل سقفه بالجريد، وجعل عمده الخشب ، وقيل: هذا باب للنساء.

            ثم دخلت سنة عشرين من الهجرة، وفيها كان فتح مصر والإسكندرية وغزو النوبة على خلاف بين أهل العلم في زمن فتحها فقد جعلها بعضهم عام ستة عشر نظرا لقصة بعث عمرو الميرة من مصر إلى المدينة عام الرمادة، وبفتحها أزال الله سبحانه عنهم عادتهم السيئة من إلقاء جارية في النيل كل عام في الثاني عشر من شهر بؤنة حتى يفيض النيل لهم فمنعهم المسلمون وأفاضهم الله سبحانه لهم، ويقال: إن عمر أرسل بطاقة فألقيت في النيل فأفاضه الله عليهم.

            وفي هذه السنة زلزلت المدينة فقال عمر رضي الله عنه: أيها الناس، ما أسرع ما أحدثتم، لئن عادت لا أساكنكم فيها.

            ثم دخلت سنة إحدى وعشرين، وفيها من الأحداث: معركة نهاوند، وفتح أصبهان، وفتح قم وقاشان وكرمان وبرقة وزويلة، والدينور والصيمرة، وفيها كان ضرب الدراهم على نقش الكسروية، إلا أنه جعل فيها اسم الله، فبعضها كتب فيه: "الحمد لله"، وبعضها: "محمد رسول الله"، وبعضها: "لا إله إلا الله" وبعضها "عمر" وتولية عمار بن ياسر الكوفة، وعبد الله بن مسعود على بيت مالها، وعثمان بن حنيف مساحة الأرض وتكرار شكوى أهلها لولاتهم.

            ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين، وفيها كان فتح الري، وقومس، وجرجان، وأذربيجان، والباب وموقان، وبلاد خراسان، وقزوين وزنجان، وطبرستان، وشهرزور والصامغان، وفيها كان غزو الترك.

            وفيها كانت وقعة أسر عبد الله بن حذافة رضي الله عنه من قبل الروم وقصته مع ملك الروم واستنقاذ أسرى المسلمين بعد تقبيل رأس ملك الروم.

            ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين، وفيها كان فتح إصطخر وجور وعدد من القرى والمدن، وفتح توج، وفتح فسا ودارابجرد، وفيها كانت قصة سارية بن زنيم، حينما ناداه عمر وهو في المدينة على المنبر يا سارية الجبل الجبل، وهي من كرامات عمر رضي الله عنه.

            وفيها كان فتح كرمان، وسجستان، ومكران، وغزوة الأكراد، وفيها حج عمر رضي الله عنه بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي آخر حجة حجها بالناس.

            وفاة عمر رضي الله عنه وشيء من ترجمته:

            وفيها توفي عمر رضي الله عنه على يد أبي لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة، وكان عمر لا يأذن لصبي قد احتلم في دخول المدينة، حتى كتب المغيرة وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا، ويستأذنه أن يدخله المدينة، ويقول: إن عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للناس; إنه حداد نقاش نجار، فأذن له أن يرسل به إليه.

            فخرج عمر يطوف يوما في السوق، فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة واسمه: فيروز وكان نصرانيا فشكى المغيرة بن شعبة في ما وضعه عليه من خراج فقال له عمر رضي الله عنه: فما أرى خراجك كثيرا على ما تصنع من الأعمال، قد بلغني أنك تقول: لو أردت أن أصنع رحى تطحن بالريح لفعلت! قال: نعم. قال: فاعمل لي رحى. قال: لئن سلمت لأعملن لك رحى يتحدث بها من بالمشرق والمغرب! ثم انصرف عنه. فقال عمر: لقد أوعدني العبد الآن.

            فلما أصبح خرج عمر إلى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالا فإذا استوت كبر، حتى إذا لم ير فيهن ظلا تقدم ، فكبروا ، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى، حتى يجتمع الناس ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته رضي الله عنه.

            التعريف بعمر رضي الله عنه:

            هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، أمير المؤمنين، أبو حفص، القرشي، العدوي، الفاروق.

            ولد بعد حادثة الفيل بثلاثة عشر سنة، وأسلم وعمره سبع وعشرون سنة، في السنة السادسة من النبوة، وكان من سادات قريش فكانت السفارة في الجاهلية.

            وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعز الإسلام بأحب العمرين إليه، فأصابته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، وذكر العلماء عدة روايات في قصة إسلامه.

            وهاجر جهرا على علم من قريش وهاجر معه بعض المستضعفين فلم يجرؤ أحد من قريش أن يتعرض له.

            وفضائله في الورى مشهورة، وفي كتب العلماء منثورة، وعلى ألسنة البلغاء منشورة، فهو الذي يفر منه الشيطان فما سلك واديا أو فجا إلا سلك الشيطان آخر، وهو الذي نزل القرآن موافقا له في غير ما حادثة وموضع، وله من الكرامات والأوليات الكثير فهو أول من دون الدواوين وأول من أرخ للمسلمين، وأول من لقب بأمير المؤمنين وأول من عس بالليل للمسلمين..إلى غير ذلك من الأوليات.

            ولما مات عمر رضي الله عنه جعل الأمر من بعده شورى في ستة من أفاضل الصحابة المشهود لهم بالجنة ومن مات عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو راض، فجعلها في عثمان، وعلي، وسعد، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعا.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية