الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فتح حمص وبعلبك وغيرهما لما وصل أبو عبيدة في اتباعه الروم المنهزمين إلى حمص ، نزل حولها يحاصرها ، ولحقه خالد بن الوليد ، فحاصروها حصارا شديدا ، وذلك في زمن البرد الشديد ، وصابر أهل البلد ; رجاء أن يصرفهم عنهم شدة البرد ، وصبر الصحابة صبرا عظيما ، وكان هرقل قد أرسل إلى أهل حمص يعدهم المدد ، وأمر أهل الجزيرة جميعها بالتجهيز إلى حمص فساروا نحو الشام ليمنعوا حمص عن المسلمين . فسير سعد بن أبي وقاص السرايا من العراق إلى هيت وحصروها ، وسار بعضهم إلى قرقيسيا ، فتفرق أهل الجزيرة وعادوا عن نجدة أهل حمص ، فكان أهلها يقولون : تمسكوا بمدينتكم فإنهم حفاة ، فإذا أصابهم البرد تقطعت أقدامهم . فكانت أقدام الروم تسقط ولا يسقط للمسلمين إصبع . وقد ذكر غير واحد أن من الروم من كان يرجع وقد سقطت رجله وهي في الخف ، والصحابة ليس في أرجلهم شيء سوى النعال ، ومع هذا لم يصب منهم قدم ولا أصبع أيضا ، ولم يزالوا كذلك حتى انسلخ فصل الشتاء فاشتد الحصار ، وأشار بعض كبار أهل حمص عليهم بالمصالحة ، فأبوا عليه ذلك وقالوا : أنصالح والملك منا قريب ؟ فيقال : إن الصحابة كبروا في بعض الأيام تكبيرة ارتجت منها المدينة حتى تفطرت منها بعض الجدران ، ثم تكبيرة أخرى فسقطت بعض الدور ، فجاءت عامتهم إلى خاصتهم فقالوا : ألا تنظرون إلى ما نزل بنا ، وما نحن فيه ؟ ألا تصالحون القوم عنا ؟ قال : فصالحوهم على ما صالحوا عليه أهل دمشق ; على نصف المنازل ، وضرب الخراج على الأراضي ، وأخذ الجزية على الرقاب بحسب الغنى والفقر ، وبعث أبو عبيدة بالأخماس والبشارة إلى عمر مع عبد الله بن مسعود . وأنزل أبو عبيدة بحمص جيشا كثيفا يكون بها ، مع جماعة من الأمراء منهم بلال والمقداد ، وكتب أبو عبيدة إلى عمر يخبره بأن هرقل قد قطع الماء إلى الجزيرة ، وأنه يظهر تارة ويخفى أخرى . فبعث إليه عمر أن أقم بمدينتك وارع أهل القوة من عرب الشام ، فإني غير تارك البعثة إليك .

            ثم استخلف أبو عبيدة على حمص عبادة بن الصامت ، وفتح المسلمون اللاذقية جلا أهل جبلة من الروم عنها ، فلما كان زمن معاوية بنى حصنا خارج الحصن الرومي وشحنه بالرجال .

            وفتح المسلمون مع عبادة بن الصامت أنطرطوس ، وكان حصينا ، فجلا عنه أهله ، فبنى معاوية مدينة أنطرطوس ، ومصرها ، وأقطع بها القطائع للمقاتلة ، وكذلك فعل ببانياس

            وفتحت سلمية أيضا ، وقيل : إنما سميت سلمية لأنه كان بقربها مدينة تدعى المؤتفكة انقلبت بأهلها ولم يسلم منهم غير مائة نفس ، فبنوا لهم مائة منزل ، وسميت سلم مائة ، ثم حرف الناس فقالوا : سلمية ، وهذا يتمشى لقائله لو كان أهلها عربا ولسانهم عربيا ، وأما إذ كان لسانهم أعجميا فلا يسوغ هذا القول . ثم إن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس اتخذها دارا وبنى [ و ] ولده فيها ومصروها ، ونزلها من نزلها من ولده ، فهي وأرضوها لهم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية